هوامش
حسين ممدوحالدوري السعودي وتغيير خارطة الشغف.. إلى أين يذهب؟
2024.01.19
مصدر الصورة : ديلي سبورت عربي
الدوري السعودي وتغيير خارطة الشغف.. إلى أين يذهب؟
حينما سعت الولايات المتحدة الأمريكية لاستضافة بطولة كأس العالم 1994 في أراضيها، كانت ترمي لنشر ثقافة كروية أكثر بين الجمهور الأمريكي الذي يُفضل الرجبي (كرة القدم الأمريكية) والبيسبول، إلا أن القصة تختلف عند المملكة العربية السعودية، والتي تستهدف استضافة كأس العالم 2034 وهي تملك تراث كروي طويل، وشعب مقترن عاطفيًا باللُعبة حتى قبل إحداث أي تطوير شامل.
ولذا فإن ما يحدث في الدوري السعودي في هذا العام لم يكن سوى استثمار لعاطفة مشتعلة ما بين الجماهير، ومسابقة تملك العديد من الفرق التي تتنازع فيما بينها كل عام لتحقيق اللقب، فهناك عدة أندية تملك جمهورًا قوي، مثل الهلال والنصر، الاتحاد والأهلي، وتنتظر كل أسبوع مبارياتها بحماس.
وما إذا كان بالإمكان عقد مقارنة مع المشاريع الواعدة في تاريخ تلك الرياضة، فإن بعض الدول استقطبت سابقًا عدة نجوم كبار في تواريخ مختلفة، مثل أمريكا التي حينما استقبلت بيليه في سبعينيات القرن العشرين كان حدثًا جنونيًا، ومثل قطر التي بدأت في جلب بعض الأسماء المعروفة -وإن كانوا في نهاية مسيرتهم- منذ بداية الألفية الحديثة، ولكن هنا المسألة تختلف. يمكن القول أن المشروع السعودي يتوافق مع فكر أشمل لإحداث نهضة رياضية وترفيهية مما ينعكس بوضوح على التقبل الاجتماعي للجديد، وللتطور الأبعد من ملعب كرة القدم، فتلك المباراة التي مدتها تسعين دقيقة تثير الهمم ما قبلها وبعدها، وينكشف بها تغيرات تثري حياة الإنسان.
ولإدخال نجوم عالميين كبار في المشهد في السعودية مثل كريم بنزيما، نيمار، ساديو ماني، رياض محرز وقبلهم كريستيانو رونالدو، بالإضافة للاعبين في منتصف أو في بداية مسيرتهم أمثال جابري فيجا، فنحن نتحدث عن مشروع مسابقة وليس حفلًا دعائيًا لمدة شهور أو عام، حيث النوايا واضحة بأن تزدهر الصورة الأكبر، وتقبل الجماهير من مختلف أنحاء العالم على مشاهدة تلك المباريات لأول مرة في الشرق الأوسط، مع أمانٍ واعدة بأن تمشي خطة تطوير اللاعب المحلي بشكلٍ جيد في تلك السنوات القادمة.
مع ذلك، ورغم استقطاب أسماء رنانة، فإن الطريق لا يزال طويلًا ليزاحم الدوري السعودي جماهيرية المسابقات في أوروبا. فبحسب دراسة TransferRoom فإن المسابقة في السعودية لا تزال بعيدة من جانب القيمة السوقية للاعبيها إذا ما قورنت بالدوريات الأوروبية وذلك من خلال تقييم اللاعبين من حيث جودة الفريق الذي يلعب له، ومدى انتظامه في اللعب، ومستوى المنافسة وإحصائيات الأداء الفردي، حيث تأتي في المركز السابع عشر خلف الدوري الأمريكي الممتاز الذي لا يزال يسبق الدوري السعودي للمحترفين بخطوة، إلا أنه يقترب من مزاحمة دوريات أخرى تاريخية لها رصيد مهم من الأكاديميات والإنتاج الكروي الطويل، ودول صاحبة امتياز في التاريخ الكروي مثل هولندا والبرتغال، بينما لا يزال الدوري الإنجليزي في المقدمة ويأتي بعده الدوري الألماني ثم الإسباني ثم الإيطالي والفرنسي.
إلا أنه، وفي نفس السياق، فإن المؤشرات تقول بأن الاستراتيجية الحالية قد تكون فاعلة لبضعة سنوات في إحداث تغيير في صورة الدوري السعودي، فمع مواصلة الاستثمارات في شراء اللاعبين والتمويل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي للرواتب السخية التي يتم دفعها، فمن المحتمل أن تواصل القيمة السوقية في الازدياد، مع وجود ثمانية أماكن للاعبين أجانب لكل فريق.
إلا أن ذلك يجب أن يتبعه أيضًا تطور في الفرق الأخرى في المسابقة مثل التعاون والاتفاق والفتح والشباب، الذي يُعد رابع أكثر فريق فوزًا بالبطولة وذلك في ست مرات متجاوزًا الأهلي، ويأتي خلف الهلال صاحب الـ18 لقبًا والنصر والاتحاد اللذين حققا اللقب تسع مرات، وفي نفس السياق، سيكون الاهتمام بدور الأكاديميات وتطوير اللاعب المحلي ليبزغ في بيئة أكثر تطورًا من جانب المرفقات والجوانب الفنية والتكتيكية أمرًا ضروريًا، فبلا شك، أن تطور كرة القدم في أي بلد أساسه القاعدة العريضة من اللاعبين الذين تفرزهم الأكاديميات، والذين يكونون ضمن مشروع طويل الأمد للتعلم من ثقافات كروية أخرى أُسس التنافس والعمل التكتيكي والأساليب المختلفة على أرض الميدان.
وفي سياق آخر، شهدت ملاعب الكرة السعودية نوعًا من التفنن الذي واكب قدوم النجوم الكبار إلى البلاد، حيث كان هناك الكثير من التيفو، العرض الملون والحيوي الذي صممه المشجعين من مختلف الفرق قبل انطلاقة المباريات، ليضيف إلى المتابعة للمباريات نكهة أخرى رائعة وتنافسية جمالية بين جماهير كل فريق وآخر، وهو أمر تراثي معروف في جميع أنحاء العالم وتتهافت الجماهير لإبراز جزء من تراث ناديها وذكرياته الخاصة من خلاله، وحتى وإن كان "التيفو" أمرًا كان شائعًا في الملاعب السعودية قبل ذلك التطور الهائل الأخير، إلا أنه مع اتساع رقعة المشاهدة للمنافسات في الشرق الأوسط، فإن ذلك الأمر أصبح خلابًا أكثر ويُظهر أن تلك البطولة ربما قد لا ينقصها شيء في الوقت الحالي لمنافسة البطولات الكبرى مثل الدوري الإنجليزي والإسباني والإيطالي والألماني في روعة الأجواء، والمناخ الرياضي الجذاب.
وسيكون من الضروري أيضًا فهم ما سيحمله الموسم الأول من تنافسية بين الفرق سواءً في المنافسة المحلية أو المنافسة القارية "دوري أبطال آسيا"، ثم الرغبة في إظهار منتج قوي وحقيقي في السنوات القادمة يُمكنه منافسة الفرق الأوروبية الكبرى في منافسات مثل كأس العالم للأندية أو أي منافسات ومناسبات مستحدثة "متوقعة"، وسيزيد ذلك أيضًا من التقارب في ثقافة ولغة عالمية، هي لغة كرة القدم والرياضة، مما يُمكنها من إذابة بعض الفوارق خارج الملعب.
وستُمكن تلك الميزة الكرة السعودية من تعزيز المصداقية الخاصة ببطولتها، فيُمكن بعد سنوات أن نرى اللاعبين العالميين يرونها وجهة جذابة ولا تقل في جاذبيتها عن الدوري الإنجليزي والإسباني حاليًا أو الإيطالي في التسعينيات، إلا أن العمل على تأسيس مسابقة أشمل من فكرة شراء اللاعبين اللاتينيين والأوروبيين الكبار، سيكون هو الفوز الحقيقي للسعودية كرويًا، الأمر الذي سيجعلنا نرى بعد ذلك مدى قدرة أن يكون للسعودية منتخبًا قادرًا على أن يذهب بعيدًا، مثلما فعلت المغرب في كأس العالم 2022 في قطر، حينما استفادت من ذلك الاحتكاك الذي عرفه لاعبيها بلعبهم في أوروبا لسنوات، مع لاعبين أفذاذ وضدهم، وحينما يتوافر للاعب السعودي هذا الأمر بمرور الوقت فإن الموهبة ستزداد تشكلًا وستستفاد من المعنى الحقيقي لزخم المنافسة وشدتها.
وإذا ما نظرنا إلى الشكل الذي ظهر به منتخب السعودية أو المعطيات التي يعمل عليها لتحسين الجودة التنافسية مع الاعتماد على المدرب الإيطالي روبيرتو مانشيني، مع خوض مباريات ودية قوية استعدادًا لكأس آسيا وتصفيات كأس العالم 2026، فإن هذا يعطينا فكرة عن عدم وجود نقص في الموهبة عند اللاعب السعودي، فهناك لاعبين أمثال عبد الرحمن غريب وسعود عبد الحميد وسالم الدوسري وغيرهم. ولكن يجب النظر إلى أين تتجه الرحلة بالمنتخب السعودي أيضًا، وأخذ الملاحظات من التجربة الوليدة، التي سيكون عليها أن تكون مشروعًا يمشي بشكلٍ متوازٍ من عدة جوانب مع بعضها البعض، مثل النظر مثلًا إلى مدى قدرة المواهب الحالية، على الأقل، على الاستفادة من الخبرات التنافسية للنجوم العالميين ومدى تأثيرها على شخصيتهم وقدراتهم في التعامل مع المواقف الصعبة في البطولات الكبرى من عدمها.