عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

دراسات

شريف إمام

القضيَّة الفلسطينيَّة في مَناهج التَّعليم الجامعيّ المِصريّة – الجزء الثالث

2025.10.20

مصدر الصورة : آخرون

القضيَّة الفلسطينيَّة في مَناهج التَّعليم الجامعيّ المِصريّة – الجزء الثالث

 

تكشف الدراسات التي تناولت تدريس القضية الفلسطينيَّة في الجامعات العربية عمومًا، أن الوضع في الجامعات المصرية ليس استثناء، فدراسة وليد عبد الحي (1985) تظهر أن حجم ونوعية -الكم والكيف- لما يدرس في موضوع القضية الفلسطينيَّة لا يتوازى بأي شكل من الأشكال مع مركزية هذه القضية (عبد الحي، 1986، ص: 122).

وهو المعنى ذاته الذي أكدته دراسة أحمد سعيد نوفل (1989)، التي تشير بوضوح إلى تقصير الجامعات العربية في تدريس القضية الفلسطينيَّة، وأن عدد أقسام العلوم السياسية التي تدرس القضية الفلسطينيَّة كمادة مستقلة وإلزامية للطلبة، لا يتجاوز ست جامعات، وأن هذا التقصير أدى إلى تنامي الجهل في صفوف الشباب الجامعيّ العربي (نوفل، 1989، ص:7).

ولقد حدا ذلك الواقع إلى تجديد المؤتمرات العربية الدعوةَ إلى وضع مقرر خاص بالقضية الفلسطينيَّة يدرَّس بصورة إلزامية لجميع طلبة المعاهد والكليات والجامعات العربية، بحيث يشكل هذا المقرر قاعدة أساسية أو قدرًا أدنى في البناء السياسيّ الثقافيّ والأكاديميّ للطالب العربي (المؤتمر العلميّ الذي نظمته كلية التربية، 1986، ص: 488).

كما استشعرت أقسام التاريخ بالجامعات العربية خطورة هذا التقصير حيال تدريس القضية الفلسطينيَّة، فعقدت ندوة أقسام التاريخ في الجامعات العربية بعمان عام 1994، وخرجت بتوصية خجولة تعكس ضعف تطلعات الأكاديميين العرب بعد طوفان التطبيع، حيث طالبت بتوجيه اهتمام الباحثين إلى قضية فلسطين وتاريخ القدس خاصة، على أن يولَى أمر تدريس هذين الموضوعين عناية كافية (اتحاد الجامعات العربية (معدًّا، 1994، ص: 235).

ولعل آخر الصيحات الصادقة من أجل إعادة النظر في وضع القضية الفلسطينيَّة في المناهج التعليمية في مصر، جاءت على لسان شيخ الأزهر في افتتاح مؤتمر نُصرة القدس عام 2018، الذي احتضنته القاهرة، قائلًا: « لا بد من إعادة الوعي بالقضيَّة الفلسطينيَّة عامَّة وبالقُدس خاصَّة، فالحقيقة المُرَّة هي أن المقرَّرات الدِّراسيَّة في مناهجنا التعليميَّة والتربويَّة في كل مراحل التعليم عاجزةٌ عن تكوين أيّ قَدْر من الوعي بهذه القضية في أذهان ملايين الملايين من شباب العرب والمسلمين، فلا يوجد مُقرَّر واحد يخصَّص للتعريف بخطر القضيَّة، وبتاريخها وبحاضرها وتأثيرها في مستقبل شبابنا الذي سيتسلَّم راية الدِّفاع عن فلسطين، وهو لا يَكاد يَعْرِف عنها شيئًا ذا بال، وذلك بالمقارنة بشباب المستوطنات الذي تتعهده منذ طفولته مناهج تربويَّة ومُقرَّرات مدرسيَّة وأناشيد وصلوات تُشَكِّل وجدانه العدائي، وتُغذِّيه بالعُنصرية» (اليوم السابع، 17 يناير 2018).

وفي اليوم الثاني للمؤتمر أعلن وكيل الأزهر: «إن الأزهر خطا خطوات محددة، فقد أعلن شيخ الأزهر، أنه تقرر مقرر دراسي مستقل عن القدس وفلسطين سيدرس في التعليم قبل الجامعي والجامعي بالأزهر، سيتعلم فيه الطلاب كل شيء عن القضية» (المصري اليوم، 18 يناير 2018). لكن دعوات شيخ الأزهر ذهبت سُدًى، بل إن ما أعلنه وكيله قرارًا لم يُنفذ، ربما حتى لا يكون في ذلك إحراجًا لوزارة التربية والتعليم التي تُدرس الكتب الدراسية نفسها.

عمليًّا، فإن القضية الفلسطينيَّة تُدرس في أقسام التاريخ بكليات الآداب والتربية، ضمن مساقات تاريخ العرب الحديث والمعاصر، ولا يوجد في أي من كليات القطر من يفرد لها مقررًا مستقلًّا باستثناء كلية الآداب جامعة حلوان، ومن الجدير بالذكر أن قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة بني سويف قد أفرد لمدة ثلاث سنوات مقررًا مستقلًّا للصراع العربيّ الإسرائيليّ، لكنه كان اختياريًّا ولم يستمر. أما على صعيد جامعة الأزهر، فإن القضية تُدرس بأقسام التاريخ بكليات الدراسات الإسلامية والإنسانية، وكليات التربية ضمن مساقات تاريخ العرب الحديث والمعاصر، بينما تُفرد أقسام التاريخ بكليات اللغة العربية مقررًا مستقلًّا لمعالجة القضية.

جدول يوضح المساقات التي تدرس فيها القضية الفلسطينيَّة في بعض أقسام التاريخ بكليات الآداب

الجامعة

اسم المقرر

الفرقة

مساحة القضية [1] :

ساعات التدريس

القاهرة

تاريخ العرب المعاصر

الثالثة

1/6

ثلاث ساعات

عين شمس

تاريخ العرب المعاصر

الرابعة

1/6

ثلاث ساعات

حلوان

تاريخ العرب الحديث والمعاصر

الرابعة

1/ 10

أربع ساعات

بنها

تاريخ العرب المعاصر

الرابعة

1/ 7

أربع ساعات

المنوفية

تاريخ العرب المعاصر

الرابعة

1/8

ساعتان

الزقازيق

تاريخ العرب المعاصر

الرابعة

---

أربع ساعات

الإسكندرية

تاريخ الشعوب الإسلامية الحديثة

الثانية

---

ثلاث ساعات

المنصورة

تاريخ العرب المعاصر

 

­­­­­­­­­---

أربع ساعات

طنطا

تاريخ العرب الحديث والمعاصر

الثانية

---

ثلاث ساعات

كفر الشيخ

تاريخ العرب المعاصر

الرابعة

1/8

أربع ساعات

المنيا

تاريخ العرب المعاصر

الرابعة

1/8

ثلاث ساعات

أسوان

تاريخ العالم العربي المعاصر

الرابعة

1/9

ساعتان

السويس

تاريخ العرب المعاصر

الثالثة

1/7

ساعتان

 

أخيرًا يجدر بنا أن نعرض للنموذجين اللذين تدرس فيهما القضية الفلسطينيَّة كمقرر مستقل وإلزاميّ لطلاب قسم التاريخ، النموذج الأول هو قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة حلوان، حيث يدرس الطلاب مادة «فلسطين والصراع العربيّ الإسرائيلي»، ويمكن عرض النقاط الجوهرية في الكتاب الذي يقوم بتدريسه الدكتور شريف يونس مدرس التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة حلوان، في التالي:

  • يبدأ الكتاب بإعطاء خلفية تاريخية عن فلسطين القديمة والشتات اليهودي، ووضع فلسطين في الإسلام والمسيحية.
  • فلسطين في العصر العثمانيّ (الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية).
  • فلسطين في ظل حكم إبراهيم باشا للشام.
  • ما المقصود بالصهيونيَّة.
  • نشأة المسألة اليهودية في أوروبا وظهور معاداة السامية.
  • تشكل الصهيونيَّة السياسية.
  • أزمة اليهود في روسيا وظهور النزعة القومية.
  • هرتزل وإقامة المنظمة الصهيونيَّة العالمية.
  • الطريق إلى الانتداب: بريطانيا والالتزامات المتعارضة.
  • تصريح بلفور والاحتلال البريطانيّ لفلسطين.
  • تنظيم أليشوف الصهيوني.
  • الانتفاضات الفلسطينيَّة المبكرة ضد الصهيونيَّة.
  • أحداث حائط البراق 1929.
  • أوضاع الفلسطينيين والصهاينة في ظل الانتداب (التمثيل السياسي/ التطورات الاجتماعية والاقتصادية).
  • الانتفاضة الفلسطينيَّة الكبرى.
  • قيام دولة إسرائيل (فلسطين أثناء الحرب العالمية الثانية/ تسلم الأمم المتحدة ملف فلسطين وقرار التقسيم/ المقاومة العربية).
  • حرب فلسطين والصراع العربيّ الإسرائيلي.
  • صعود الصراع المصري الإسرائيليّ وحرب 1956.
  • الحرب العربية الباردة وعدوان 1967.
  • حرب أكتوبر 1973 حتى معاهدة كامب ديفيد (يونس، 2003).

ويقدم الكتاب للطلاب تحليلًا ماركسيًّا للصراع، ويبرز بشكل كبير الجوانب الفكرية المؤسسة للصهيونية والأبعاد التاريخية للصراع، لكنه أسقط كثيرًا من النقاط المهمة على حساب التوسع في السياقات المحيطة بالصراع، وجاءت بعض تحليلاته مثيرة للجدل مثل قول المؤلف: «أثارت التقارير البريطانية التي تلت أزمة 1929 قضية مهمة، هي بيع الأراضي للصهاينة. مسّت هذه القضية بمصداقية الأعيان -يقصد الأعيان العرب- فقد كانوا يبيعون بعض أراضيهم للحركة الصهيونيَّة من ناحية، وعاجزين عن مواجهة أسباب فقر الفلاحين الفقراء أو مساعدتهم لكي لا يُضطروا إلى بيع أراضيهم، بل كانوا هم أنفسهم مسئولين عن جانب من إفقار الفلاحين» (يونس، 2003، ص: 144). كذلك حديثه عن تفكك الثورة العربية الكبرى قائلًا إن «هجماتها كان بعضها موجهًا ضد الأفندية والأعيان والأقليات الدينية بقدر ما كانت موجهة ضد اليهود، الأمر الذي أدى إلى تمزيق فادح للمجتمع الفلسطيني» (يونس، 2003، ص 159).

أما الجامعة الثانية التي تدرس فيها القضية الفلسطينيَّة في مقرر مستقل، فجامعة الأزهر وبالتحديد في أقسام التاريخ بكليات اللغة العربية، ويوجد بالأزهر سبعة فروع لتلك الكلية بعموم القطر: كلية اللغة العربية بالمنوفية، كلية اللغة العربية بالمنصورة، كلية اللغة العربية بإيتاي البارود، كلية اللغة العربية بالزقازيق، كلية اللغة العربية بجرجا، كلية اللغة العربية بأسيوط، والفرع الرئيسي كلية اللغة العربية بالقاهرة، ويُدرس المقرر ضمن مقررات الفرقة الرابعة تحت مسمى: تاريخ الحركة الصهيونيَّة.

ومن خلال دراسة حالة للكتاب الذي يدرسه الطلاب بالفرع الرئيسي بالقاهرة، وهو من تأليف الدكتور رضا موسى عبد الوهاب، الأستاذ المشارك بجامعة الأزهر، يمكن رصد العناصر الأساسية التي يعالجها الكتاب:

  • مقدمة عن جغرافية فلسطين (الموقع/ التضاريس/ المناخ/ الموارد).
  • أصل الشعب الفلسطيني (الكنعانيون/ الفلسطينيون)
  • فلسطين منذ الفتح الإسلاميّ حتى نهاية العصر العثماني.
  • اليهود في فلسطين وخروجهم منها (تأسيس الدولة اليهودية الأولى والثانية).
  • الأسر البابليّ والوضع خلال الإمبراطوريات (الفارسية/ المقدونية/ الرومانية).
  • موقف اليهود من النصرانية والرد على ادّعاءات اليهود في أرض فلسطين.
  • الصهيونيَّة (المفهوم والنشأة والجذور) والمدارس الفكرية للصهيونية.
  • تيودور هيرتزل والمؤتمر الصهيونيّ الأول ووسائل الصهيونيَّة في تحقيق أهدافها.
  • لقاء الاستعمار مع الصهيونية بفلسطين إبان الحرب العالمية الأولي.
  • اتفاقية سايكس بيكو وأثرها في فلسطين.
  • تبني بريطانيا للمخططات الصهيونيَّة (الأسباب والعقبات).
  • تصريح بلفور (الأسباب/ الفحوى/ المواقف/ البعثة الصهيونية 1918).
  • خطوات بريطانيا العملية لتهويد فلسطين (تعيين هربرت صموئيل مندوبًا ساميًا/ المساعدة في إنشاء المؤسسات الصهيونيَّة/ الكتاب الأبيض).
  • الحركة الوطنية الفلسطينيَّة (1920/ 1930).
  • إرهاصات الحركة الوطنية قبل الانتداب.
  • الاحتجاج على زيارة تشرشل لغزة عام 1921.
  • انتفاضة يافا عام 1921.
  • الاحتجاج على زيارة بلفور لفلسطين عام 1925.
  • انتفاضة البراق 1929.
  • الحركة الوطنية الفلسطينيَّة (1930/1939).
  • حركة الشيخ عز الدين القسام.
  • الثورة الفلسطينيَّة الكبرى 1936.
  • فلسطين إبان الحرب العالمية الثانية (النشاط الصهيوني لدى الأمريكان والسوفييت والإنجليز).
  • الدور الأمريكيّ بعد الحرب (اللجنة الأنجلو أمريكية/ مؤتمر لندن).
  • قرار تقسيم فلسطين والموقف العربي.
  • حرب فلسطين (الوضع العسكريّ / مراحل القتال/ الهدنة / النتائج).
  • الأوضاع في فلسطين في ظل قيام دولة إسرائيل.
  • المحاولات العربية لإنقاذ فلسطين وانقسامها إلى ثلاثة أجزاء.
  • سياسة الاحتلال (مصادرة الهوية والأراضي والحقوق السياسية).
  • الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والدينية في فلسطين.
  • اللاجئون الفلسطينيون (عبد الوهاب، 2023).

ويحسب للكتاب شموله وحسن تمهيده للقضية الفلسطينيَّة بالعودة إلى جذوره والبعد عن صياغة المحتوى في سياق الدور المصريّ في الصراع العربيّ الإسرائيليّ، كما عمد مؤلف الكتاب إلى وضع خرائط وصور توضيحية وخريطة زمنية لتطور الأحداث، مع الحرص على وضع الهوامش لكل المعلومات الواردة بالكتاب، وتذييل مُؤَلفه بخاتمة وقائمة بالمصادر والمراجع، قد يكون من نواقص الكتاب سطحيته في عرض بعض القضايا المهمة وغياب النصوص الدالة، وفقر قائمة مصادره من الكتب المصدرية والمذكرات التاريخية، والإفراط في الاعتماد على الرسائل الجامعية الحديثة.

أهم الاستنتاجات

  • توصلت الدراسة إلى أن وضع القضية الفلسطينيَّة في مناهج التعليم الجامعيّ المصرية ترتبط من الأساس بنظرة القيادة السياسية للصراع العربيّ الإسرائيلي، فالطلاب العرب عمومًا لا يعرفون عن قضايا أمتهم الأساسية إلا بمقدار ما تريد الأنظمة العربية أن يعرفوا، كما أن الطلبة يدرسون القضية بالطريقة نفسها التي تعالج بها وسائل الإعلام الرسمية لهذه القضية.
  • دلت الدراسة على أن حجم ونوعية ما يدرس في الجامعات المصرية، وبخاصة أقسام التاريخ في الجامعات المصرية، حول قضية فلسطين لا يتوازى بأي شكل من الأشكال مع مركزية القضية، وهذا يحتاج تدخلًا من وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات.
  • كذلك تظهر الدراسة أن معظم الجامعات المصرية في أقسام التاريخ تمرُّ مرور الكرام على تاريخ فلسطين القديم، رغم أهميته، وتبدأ من أواخر القرن التاسع عشر وظهور الصهيونيَّة.
  • تعاني الجامعات المصرية من غياب الأستاذ المتخصص في القضية الفلسطينيَّة، فمعظم من يُدرس القضية الفلسطينيَّة ضمن مساقات تاريخ العرب الحديث والمعاصر ليسوا متخصصين في القضية الفلسطينيَّة، وهذا ينعكس سلبًا على حجم القضية في مقرراتهم وطريقة معالجتهم.
  • بعد غياب جيل الرواد الأوائل للقضية الفلسطينيَّة في الجامعات المصرية، أمثال الأساتذة محمود صالح المنسي، وعادل غنيم، ومحمد عبد الرؤوف سليم، ومحمد على حُلة، عانت الدراسات الأكاديمية التي تعالج القضية الفلسطينيَّة من تكرار الموضوعات وقلة الاعتماد على المادة الوثائقية، بل انخفض عدد المقبلين على دراسات الفلسطينيات بغياب الأستاذ الذي يوجه لمثل هذا المجال.

إن قراءة ما يكتب عن القضية الفلسطينية في أقسام التاريخ يظهر بوضوح التركيز الدائم في معالجة القضية على المعلومات والأحداث، دون استعمال للنصوص الدالة، التي تعتبرها، بحسب تيري سوزان فاين Terri Susan Fine، الطريقة المثلى لتدريس الصراعات وخلق تعاطف مع أطرافهاFine, 2019, pp. 266, 268)).

أخيرًا فإن تغييَّب القضية الفلسطينيَّة المتعمَّد من المناهج التعليميَّة الجامعية في مصر، يُنذر بضمور وعي الشباب حيالها، وهو أمر لا يُشكَّل مجرد خطر على هوية مصر العربية والإسلامية وإنما على أمنها القومي القطري، إن هي أرادت أن تخرج مُختبئةً من كل دوائر التأثير الإقليمية وتنكفئ على ذاتها.


(([1] اعتمدنا في رصد نسبة معالجة القضية الفلسطينية في المقرر على التوصيف الخاص بالمقرر.