أرشيف القضاء
شريف إمامالوصاية على العرش بعد رحيل الملك - الجزء الأول
2025.08.17
مصدر الصورة : آخرون
الوصاية على العرش بعد رحيل الملك - الجزء الأول
بعد غروب شمس السادس والعشرين من يوليو سنة 1952 طويت صفحة الملك فاروق، وكان هذا يعني أن يمارس أوصياء العرش( * ) سلطة الملك إلى حين بلوغ الابن الصغير أحمد فؤاد سن الرشد كما حدث بالنسبة إلى أبيه فاروق من قبل ( * * ) . ووفق دستور 1923 فإن الأوصياء لا يتولون مهامهم إلا بعد حلف اليمين أمام البرلمان ( [1] ). وكانت المشكلة تكمن في أن البرلمان كان منحلًّا، فقد صدر قرار بذلك في 24 مارس سنة 1952م، وطبقًا لنص المادة 89 من دستور سنة 1923 يجب أن يشتمل الأمر الصادر بحل مجلس النواب على دعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة في ميعاد لا يتجاوز شهرين. وقد حدد يوم 18 مايو لإجراء الانتخابات على أن يجتمع المجلس يوم 31 مايو سنة 1952م، وبعد فتح باب الترشح في 25 مارس صدر قرار عن رئيس الوزراء نجيب الهلالي في 12 إبريل سنة 1952 بتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى ( [2] ) . ومن ثم كانت المشكلة التي كان على مجلس الدولة أن يواجهها باعتباره مفتي الحكومة، هي أن المادة 52 من الدستور قد نصت على أنه في حالة وفاة الملك وعدم بلوغ الوريث سن الرشد، يشكل مجلس وصاية يقوم بحلف اليمين أمام البرلمان بعد عشرة أيام من وفاة الملك، فإن كان المجلس منحلًّا وكان ميعاد انعقاد المجلس الجديد يجاوز اليوم العاشر فإن المجلس القديم يعود إلى العمل رغم رسوم حله، ليحلف أمامه الأوصياء ( [3] ) . ولمَّا كان الدستور لم يتضمن نصًّا يتصل بحالة التنازل عن العرش، فقد اختلف الرأي: هل تطبق المواد الخاصة بالملك المتوفى على حالة الملك المعزول ومعنى ذلك دعوة البرلمان الوفدي المنحل للانعقاد طبقًا للدستور كيما يحلف الأوصياء أمامه، أم تعتبر هذه حالة خاصة تستوجب إجراءات جديدة. ويشاء القدر أن يواجه علي ماهر نفس المعضلة التي واجهته سنة 1936 في مسألة الوصاية على العرش، فيرسل رئيس مجلس الوزراء علي ماهر في 30/7/1952 كتابًا إلى وكيل مجلس الدولة لقسمي الرأي والتشريع ومستشار الرأي لرئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة (سليمان حافظ) يقول فيه: "على أثر نزول الملك السابق عن العرش وتركه مظروفًا مختومًا بأسماء الأوصياء، أصبح من المتعين حتى يباشر هؤلاء الأوصياء سلطتهم الدستورية أن يوافق البرلمان على تعيينهم، وأن يؤدوا اليمين أمامه. ولمَّا كان مجلس النواب منحلًّا فيهمني أن أعلم هل واجه الدستور هذه الحالة كما واجه حالة وفاة الملك في المادة 52. وإن كان لم يواجهها بحيث يتعين إجراء انخابات جديدة لمجلس النواب فهل يمكن تقصيرًا للمدة التي يمارس فيها مجلس الوزراء سلطات الملك التفكير في نظام لوصاية مؤقتة تنقل إليها هذه السلطات؟" ( [4] )
ومن خلال الكتاب المرسل إلى مجلس الدولة يتضح أن رئيس الوزراء استشار في أن يكون الحل هو مجلس وصاية مؤقت، وحسب رواية سليمان حافظ فقد شغلت المسألة باله، وكان صديقه الدكتور حسن بغدادي هو من أوصي له بها، ثم تداولها مع الدكتور السنهوري واجتمع السنهوري وحافظ مع مجلس قيادة الثورة لشرح فكرة الوصاية المؤقت كبديل لإجراء انتخابات أو إعادة البرلمان الوفدي، ولمَّا لم يتوصلوا إلى اتفاق، قرر الجمع تخويل مجلس الدولة بوضع حل لتلك المشكلة.
موقف القوى المختلفة من إعادة البرلمان الوفدي
أولًا: الوفد قابل مصطفى النحاس علي ماهر في 30 يوليو وأطلعه على آراء ثلاثة من رجال القانون الوفديين في هذه الناحية الدستورية وقد بلغت ثقة الوفد بسلامة هذا الإجراء أن نشرت جريدة المصري بعد خروج فاروق من البلاد تقول إنه أصبح في حكم المقرر دعوة البرلمان المنحل إلى الاجتماع خلال عشرة أيام، كما يقضي بذلك الدستور، لتفضي أمامه رسالة الملك السابق الخاصة عن اختيارهم أعضاء في مجلس الوصاية ( [5] ) .
موقف العسكريين
محمد نجيب قد توقع كما ذكر أن الأصح دستوريًّا عودة البرلمان الوفدي، وحسب رواية خالد محيي الدين فإن عبد الناصر كان يوافق على عودة البرلمان الوفدي المنحل ثم حله بعد أن يقسم الأوصياء وإجراء انتخابات خلال ستين يومًا، كما ينص الدستور وأنه لوح باستقالته لو ضغط العسكريون عليه وتنازل عن فكرة الاستقالة. أما خالد محيي الدين فكان راضيًا عن عودة البرلمان الوفدي وصرح بذلك. أما باقي رجال لجنة القيادة فلم يكن لهم رأي معلن في ذلك نظرًا إلى عدم دراستهم القانونية لكن كان ضباط المدفعية والطيران ضد عودة البرلمان الوفدي وقالوا بصراحة إنهم قاموا بالحركة ولن يسلموها للآخرين جاهزة، أما أنور السادات فأشار إلى أنهم اتفقوا قبل الثورة على إعادة البرلمان المحلول وتسليم السلطة للمدنيين. وعلى كلٍّ فإن الموقف العسكري كان منقسمًا على نفسه حيال إعادة البرلمان الوفدي.
موقف أحزاب الأقلية
أما مواقف الأحزاب فقد ظهرت أثناء الأزمة وبعد صدور فتوى مجلس الدولة الخاصة بعدم عودة البرلمان الوفدي، فحزب الكتلة الوفدية. سارع رئيسه مكرم عبيد إلى رئاسة مجلس الوزراء في يوم 31 يوليو حيث اجتمع بكل من علي ماهر وسليمان حافظ، ثم أعلن لمندوبي الصحف أنه يرى أن الملك المعزول قد أنزل من فوق العرش، وحدد له موعد لتوقيع وثيقة هذا التنازل وموعد لمغادرة البلاد نهائيًّا، فمن حق الشعب إذن أن يختار ممثليه الذين تكون لهم الكلمة في أمر الأوصياء على العرش، خصوصًا وأن هذه الوصية لمدة 18 سنة. ثم قال: إن كل ما يتصل بالظروف الحاضرة يستدعي حتمًا إجراء انتخابات حرة مباشرة لتقول الأمة قولتها الحقة بلسان ممثليها الحقيقيين. ثم لم تلبث "الكتلة الوفدية" أن أصدرت برياسة مكرم عبيد قرارًا ذكرت فيه أنه لمَّا كان الملك السابق قد عزله الشعب عن العرش، فإن وصيته لا تكون محل اعتبار بعد عزله. فإذا خلا العرش بعزله أو بتنازله بأمر الشعب، فلا محل لقياس هذه الحالة على حالة الوفاة، لأن الملك يموت وهو مستكمل كافة سلطات الملك، ومن بينها حق الإيصاء على العرش، في حين أن الملك المعزول يفقد بعزله حقوق الملكية، فليس له بالتالي أن يوصي أو يعين مشرفين على العرش الذي عزل منه. ثم طالبت القرارات بإعادة الحياة النيابية في موعدها مطهرة من كل زيف، على أن يترك للبرلمان الجديد مهمة تعديل الدستور.
أما الحزب الوطني الجديد فقد أعلن منذ تأسيسه 1944 أن الأحزاب القائمة يغلب عليها عنصر الشخصنة وكان حزب الوفد قد حظي من الحزب بنصيب كبير من الأعداد ليس فقط للتباعد الأيديولوجي بينهما وإنما لإيمانهم بإخفاق التجربة الديمقراطية بكل أحزابها في حل المشكلة الاجتماعية والاقتصادية فضلًا عن المشكلة السياسية. ويتضح بجلاء موقف الحزب من عودة البرلمان الوفدي من استجابته وترحيبه بفتوى مجلس الدولة بعدم عودة البرلمان الوفدي وفي اليوم التالي، كانت اللجنة العليا للحزب الوطني تجتمع لتختار فتحي رضوان رئيسًا للحزب، ولتناقش مسألة مجلس الأوصياء. ثم أعلنت معارضتها لدعوة البرلمان الوفدي المنحل، بل هاجمت هذا البرلمان. فقد أعلنت أنه: "من العبث، بل من التناقض أن نلتمس في نصوص الدستور حكمًا لحالة عزل الملك واختيار أوصياء على العرش.. ولا يجوز عقلًا أن يسمع لهذا البرلمان حكم فيما جاءت به الثورة، وقد يكون هذا البرلمان شريكًا للملك المعزول في أخطائه وآثامه التي استوجبت عزله وأثارت غضب الشعب عليه. فنحن إذن لا نخالف الدستور عندما لا نوافق على دعوة البرلمان المنحل، وإنما نحن ننزل على أحكام الدستور". ثم استطردت لجنة الحزب الوطني قائلة: إنه لا يفوتها "أن تقرر أن البرلمان السابق أصبح معدومًا. فإن الدستور يقضي بضرورة دعوة الناخبين إلى انتخاب أعضاء المجلس الجديد في نفس قرار الحل. وقد خالفت الوزارة السابقة (وزارة نجيب الهلالي) ذلك الحكم وسكت نواب الأمة على هذه المخالفة، وأهدروا نصًّا من نصوص الدستور بتخاذلهم وتراخيهم في أداء واجبهم. فليس مفهومًا اليوم أن يطلبوا من النظام الجديد الذي جاء ليقضي على عيوب ذلك النظام القديم بكل أخطائه أن يرد لهم سلطتهم التي تهاونوا في الدفاع عنها" ( [6] ) .
أما حزب الهيئة السعدية فإنهم كانوا مؤيدين للثورة منذ البداية ونظرًا إلى عدائهم الشديد للوفد فلم يكن هناك ما يدعوهم إلى المطالبة بعودة البرلمان الوفدي. أما الأحرار الدستوريون فقد أعلنوا عبر وفد من قيادة الحزب تأييدهم للثورة لكن نعجز عن معرفة موقف واضح لهم بعد غياب جريدتهم منذ أواسط سنة 1951 والحال نفسه للحزب الوطني القديم.
الإخوان المسلمون
فمع العلم بالتنافر الأيديولوجي الحاد بين الإخوان المسلمين من جهة وبين الوفد، من حيث كون الإخوان ينتمون إلى التيار الإسلامي والوفد رائد التيار الليبرالي العلماني إلا أن وزارة الوفد الأخيرة وبرلمانها الذي هو محل النقاش من أجل إعادته قد عمق من الهوة بين الوفد والإخوان فهذه الحكومة هي التي أصدرت قرارًا ببيع المركز العام للجماعة لولا أن مجلس الدولة حكم في 17 سبتمبر سنة 1951 ببطلان هذا القرار، وكذلك هي الحكومة التي أبقت على الجماعة في وضع الحل منذ أيام النقراشي لولا قبول الدعوى التي رفعتها الجماعة وعودتها للحياة ثانيًا، كذلك كان هذا هو البرلمان الذي وافق على قانون الجمعيات الذي شل حركة الجماعة.
من ثم فاستغلت الجماعة تلك الظروف وعبرت عن رفضها للدستور وطالبت بتغيير الدستور وأن الدستور الذي يجب على الجيش تطبيقه هو القرآن الكريم بحذافيره ومن ثم لم يكن الإخوان مع عودة البرلمان الوفدي ولا غيره وإنما مع إعادة هيكلة للحياة الدستورية على أساس مرجعية إسلامية.
الموقف الإنجليزي
كان الموقف الإنجليزي واضح جدًّا وقد عبر الوزير المفوض بالسفارة البريطانية عن أن هناك ثلاث نقاط كان أهمها هو اعتقاده أن الوضع العام المصري يشعر بضجر من قادة الأحزاب السياسية القديمة وأن ريحًا جديدة قد هبت على مصر منذ الثورة ولصعوبة إجراء انتخابات في تلك الأثناء وتمنى من علي ماهر ألا ينفذ الموقف في عجلة وأن يحكم العقل وأكد أن الاستقرار أهم من التدقيقات القانونية. وهو يشير إلى عدم رضًا عن عودة البرلمان الوفدي لكون الرأي العام وكما أشار الوزير المفوض غير راضٍ عن قادة الأحزاب السياسية وكذلك عدم جاهزية الظروف لانتخابات جديدة، ثم جاء خطاب الخارجية الإنجليزية في 29 يوليو ليضيف مزيدًا من الوضوح إذ رغم تأكيده على أن الأزمة الدستورية شأن داخلي فإنه في السطرين الأخيرين أكد على قلقهم من حدوث أي سيطرة سياسية من قبل العناصر المتطرفة أو الوفد وهذا يتسق مع رؤية إنجلترا للوفد في الفترة الأخيرة واتهام السفير إستفنسون له بالفساد والبرلمان بسوء الأداء ومن ثم كان الموقف الإنجليزي ضد عودة الوفد من جديد بعد استشراء الفساد فيه وصعوبة الرهان عليه من المنظور الإنجليزي.
قضية الوصاية على العرش أمام مجلس الدولة
بعد رسالة علي ماهر في 30 يوليو 1952 طالب السنهوري باجتماع عاجل لقسم الرأي بالمجلس ولم يتخلف أحد من مستشاري قسم الرأي عن ذلك الاجتماع، وحسب رواية وحيد رأفت: "فوجئنا بحضور رئيس مجلس الدولة الدكتور عبدالرزاق السنهوري ليرأس الاجتماع بنفسه، بينما كان يترأس اجتماعاتنا عادة الأستاذ سليمان حافظ وكيل المجلس لقسمي التشريع والرأي وذكر الدكتور السنهوري قصور أحكام دستور 1923 في هذا الشأن، والتي واجهت حالة الوفاة أو الإصابة بالمرض العقلي ولم يتناول حالة التنازل عن العرش، وأكد صعوبة القياس على كلتا الحالتين وأننا بصدد ثغرة في تشريعنا الدستوري لم يرد موضوعها على ذهن واضعي هذا الدستور وأن ملء هذه الثغرة لا يكون بطريق التوسع في تفسير النص القائم بل استكماله بتشريع جديد، ولمَّا كان تعديل الدستور نفسه يستدعي إجراءات مطوله وإشراك البرلمان فيها، وهو غير قائم فلا مناص من تعديل الأمر الكريم الصادر في 8 إبريل سنة 1922 بشأن توارث العرش.
التشكيك في قانونية الاجتماع
يقول الاستاذ أحمد أبو الفتح: "بدلًا من أن يجمع السنهوري جميع مستشاري مجلس الدولة الإداريين منهم والقضائيين لبحث الأمر واستصدار الفتوي أسقط من الاجتماع المستشارين القضائيين وقصره على المستشارين الإداريين، والفرق بين الاثنين واضح جدًّا خصوصًا لمن عاش في مصر في تلك الحقبة من الزمن، ذلك أن المستشارين القضائيين بحكم عضويتهم في أحد أكبر هيئة قضائية في مصر كانوا دائمًا يتوخون الحق والعدالة ونصوص الدستور وروحه. أما المستشارون الإداريون فهم ليسوا قضاة بل إداريين تؤثر فيهم التوجيهات السياسية. ( [7] ) ولو أجهد الأستاذ أبو الفتح نفسه لعرف أن خطاب علي ماهر كان موجهًا إلى قسم الرأي لمجلس الدولة وليس إلى الجمعية العمومية للمجلس وهنا فارق، فالجمعية العمومية للمجلس وفقًا للمادة 37 من قانون 9 لسنة 1949 الخاص لمجلس الدولة يدعى إليها جميع المستشارين أما قسم الرأي فيحضره مستشارو الرأي بالمجلس فقط، وهم المنوط بهم أخذ الفتوى والرأي كما نصت المادة 33 والموضحة لاختصاص هذا القسم، فتشير هذه المادة نصًّا إلى أن قسم الرأي يبدي رأيه مسببًا في كثير من القضايا منها: "المسائل التي تحال له من رئيس الوزراء". كذلك فإن الدكتور وحيد رأفت أكد حضور جميع المستشارين رغم أنه بحكم معارضته لما وصل إليه الاجتماع كان يمكن أن يلوح بتلك الفكرة لو صحت دستوريًّا. ولو عاد أبو الفتح إلى إنشاء قسم الرأي الصادر في 29 أغسطس سنة 1947 لعرف أنه نص على تكون القسم من سبع إدارات على كل منها مستشار ثم عدل المرسوم في 9 سبتمبر سنة 1948 ليرفعها إلى تسع إدارات كان الحاضرون بالفعل تسع مستشارين بالإضافة إلى رئيس المجلس.
وعلينا أن نؤكد ما ورد في حديث الدكتور وحيد رأفت حول مفاجأة المستشارين بحضور السنهوري يترأس الاجتماع لا يعد دليلُا على عدم دستورية هذا الإجراء فالمادة 39 من قانون المجلس تنص على أنه يجوز لرئيس المجلس أن يترأس جلسة قسم الرأي وشُعبه وأعمال قسم التشريع وفي هذه الحالة تكون له الرياسة. ( [8] )
أهم ما حوته فتوي مجلس الدولة
بعد اجتماع استمر قرابة الساعتين والنصف وبعد شرح الدكتور السنهوري طبيعة الأزمة، ثم أخذت الأصوات فوافقت جميعها على إيجاد نظام وصاية مؤقتة للعرش ماعدا الدكتور وحيد رأفت وجاءت أهم النقاط التي تناولتها الفتوى، أن أسباب نزول الملك عن العرش تنحصر في ثلاثة: وفاة الملك وإصابته بمرض عقلي ونزوله عن العرش أو تنحيه عنه والدستور تكلم عن الحالتين الأولى والثانية وسكت عن الأخيرة. سكوت الدستور عن حالة النزول عن العرش يرجع إلى كون هذا النزول يقع عادة إثر ثورة أو انقلاب وليس من الحكمة تنظيم الثورة أو الانقلاب، فلكل منهما ملابسات خاصة هي التي تسيطر عليه وتنظمه* أن الدستور حين نص في المادة 52 على عودة البرلمان حتى لو كان منحلًّا في حالة وفاة الملك وتعذر اجتماع المجلس تحديد قبل عشرة أيام هو حكم استثنائي محض لكونه يتعارض مع طبائع الأشياء ويخل بقاعدة عامة معروفة هي القاعدة التي تقضي بأن الساقط لا يعود* يترتب على ذلك أنه ما دام الدستور لم ينص على عودة المجلس المنحل إلى العمل بل ما دام لم يعرض لهذه الحالة أصلًا فلا يجوز أن يعود مجلس النواب إذا كان منحلًّا إلى العمل، والقول بالقياس في حالة النزول عن العرش على حالتي الوفاة وخلو العرش قول غير جائز إذ القياس إنما يكون على حكم استثنائي محض كما تقدم والاستثناء لا يقاس عليه. بل إن القياس على استثناء هنا إنما هو إضافة استثناء آخر، والإضافة على الدستور تنقيح فيه ولا يجوز تنقيح الدستور إلا بطريق الذي نص عليه الدستور.* وأكدت الفتوى المبادرة إلى إجراء انتخابات عامة بمجرد التمكن من إجراء هذه الانتخابات وهو أمر يحتاج إلى وقت ليس بالقصير، كما أكدت أن المادة 55 تخول مجلس الوزراء ممارسة سلطات الملك إلى حين أداء اليمين وهذا يعتبر تطبيقًا لنظرية الضرورة التي تحتم وجود هيئة تمارس سلطات الملك إلى حين انتقال الولاية إلى الملك الجديد ولا يوجد أصلح من مجلس الوزراء الذي يتولي الملك سلطته بواسطته كما تقضي المادة 48 من الدستور، هيئة تمارس هذه السلطات ومن ثم في حالة نزول الملك عن العرش يجب تولي مجلس الوزراء سلطات الملك الدستورية تطبيقًا لنظرية الضرورة في المادة 55.