أرشيف القضاء
شريف إماممعركة رئاسة السنهوري لمجلس الدولة
2025.03.23
مصدر الصورة : آخرون
معركة رئاسة السنهوري لمجلس الدولة
لم يكن فاروق مرتاحًا لعودة الوفد سنة 1950، ومن ثم بدأت الصحف الموالية للقصر، وعلى رأسها أخبار اليوم الدعاية ضد النحاس وحزب الوفد، ورغم علم النحاس بذلك المسعى الذي لا يمكن لأحد إنكاره، فإنه اكتفى بعدم قبول الاتجاه الملكي لتشكيل وزارة قومية، وأكد أنه إذا لم يحصل على الأغلبية فلن يشترك في الحكم، ولن يوافق على أي معاهدة تعقدها الحكومة[1]، ومع إعلان نتيجة الانتخابات وفوز الوفد بالأغلبية، شعر الملك باهتزاز عرشه، لأن الانتخابات مثلت انتصارًا شخصيًّا للنحاس عليه، واعترف الملك لأول مرة بقلة شعبيته[2]. لكنه اضطر إلى القبول بالأمر الواقع، لا سيما أن الإنجليز كانوا راضين عن عودة الوفد ومطمئنين إلى سلامة اتجاهه حيالهم[3]. ومن ثم كان ذلك سبيلًا إلى التوفيق بين الطرفين، لا سيما أن الوفد التزم بالمهادنة وأعلن الطاعة والولاء للقصر[4]. لكن ما يسترعي الانتباه أن رئيس الديوان الملكي حسين سري يكشف لنا في أول أيام الوفد في الوزارة، وفي أثناء حديثه إلى السفير البريطاني، أن الحكومة ستمضي في سياسات سابقتها من الحكومات في غض الطرف عن تجاوزات الحاشية وعلى رأسها ممارسات كريم ثابت[5]، لكن ما لم يذكره سري باشا هو أنها ستغض الطرف عن ممارسات الملك الشاذة وانتهاكاته المتكررة.
في يوم 26 يناير سنة 1950 كان رئيس مجلس الدولة على موعد مع وزير المالية -زكي عبدالمتعال- للحديث معه بشأن ميزانية المجلس، بناء على طلب وزير العدل، وما إن انتهت المقابلة حول الميزانية، حتى فاتح الوزير السنهوري باشا، بأن الحكومة ترى أنه لا يجوز لوزير منتمٍ إلى حزب سياسي أن يتولى منصبًا قضائيًّا[6]. وكان رد السنهوري: "إنني لا أرى ما يمنع من أن وزيرًا سابقًا يعين رئيسًا لمجلس الدولة، حتى لو كان هذا الوزير قد انتمى إلى أحد الأحزاب السياسية وقت أن كان وزيرًا. والقانون ذاته يجيز تعيين الوزير رئيسًا لمجلس الدولة"، وأكد السنهوري أنه استقال من الحزب الذي كان منتميًا إليه منذ توليه القضاء[7].
وأنهى الوزير حديثه إلى السنهوري قائلًا: إذا شئت فاختَر منصبًا آخر، فجاء رد السنهوري الحاسم: "ألم أكن وزيرًا وفضلت مع ذلك رئاسة مجلس الدولة على منصب الوزارة؟! إن الحكومة -إذ تتقدم إليَّ أن أتنحى عن منصبي بدعوى الحزبية- هي التي تتصرف تصرفًا حزبيًّا معيبًا. وإن واجبي هو أن أدفع اعتداءها على كرامة المجلس، وعلى استقلال القضاء. وسأبقى في منصبي لأقوم بهذا الواجب. وكيف أرضى أن تتعسف الحكومة بالمجلس، والمجلس هو الذي يتولى إنصاف الناس من الحكومة إذا تعسفت بهم. إن بيني وبينكم دستور البلاد وقانون مجلس الدولة"[8]. وانتهت المقابلة عند هذا الحد.
كانت الخطوة التالية لدى الوفد هي حملات منظمة ضد السنهوري ومجلس الدولة، عبر الصحف الموالية للحكومة كالمصري والمقطم، وكان حامد زكي وزير الدولة هو رأس الحربة في تلك الحملة، فعلى حد تعبير جوردون (J. Gordon) كانت وظيفة زكي أشبه بالحاجب، وكان ساعد النحاس الأيمن وحلَّال العقد التي تواجه الوزارة[9].
وكانت خطة السنهوري لمواجهة هذا القرار الوفدي قد نحت ثلاثة مسالك:
أولها: هو محاولة إدخال وزير العدل طرفًا، باعتباره وزيرًا في تلك الوزارة الوفدية، وكونه مشرفًا على الهيئات القضائية، ومن ثم أرسل السنهوري إليه في 29 يناير سنة 1950 خطابًا أوضح فيه تفاصيل ما جرى، وأنهى حديثه بقوله: "إن واجبي نحو وظيفتي يقتضي ألا أستجيب لرغبة فيها عدوان صارخ من الهيئة التنفيذية على سلطة قضائية ومساس خطير باستقلال هيئة خولها القانونُ الرقابةَ على أعمال الإدارة"[10]. ولو تأملنا كلمات السنهوري لوجدناها تجسد رفعة القاضي في مواجهة رجل الإدارة، عندما نعت القضاء بالسلطة، ووصف التنفيذيين بالهيئة، وإن كانت هذه الأمور تغيرت فيما بعد، وصارت الإدارة تنعت القضاء بالهيئات، وتسمى نفسها سلطة.
ثانيًا: دعوة الجمعية العمومية لمجلس الدولة إلى الانعقاد، واجتمعت في أول فبراير سنة 1950، وبعد أن روى السنهوري للمستشارين تفصيل الأحداث وتطوراتها، غادر قاعة الاجتماع، وتولى الرئاسة أقدم الوكيلين سليمان حافظ بك. ومن متابعة محضر الجلسة، الذي نشره علي أمين، نجد أن كثيرًا ممن حضر الجلسة ممن عرفوا بأنهم وفديون أو قريبون من الوفد، مثل المستشار وحيد رأفت، أو من عرفوا بالوفدية كالسيد الديواني، جميعهم هاجموا مسلك الحكومة[11]، إلا أن الجلسة لم تكن كلها تسير في اتجاه إنصاف السنهوري، حيث أشار المستشار سامي مازن إلى كونه لم يكن راضيًا على تعيين السنهوري من الأساس، لأنه يرى عدم جواز تقليد القضاء رجلًا حزبيًّا، وأن القانون لم يبِح على وجه القطع تعيين الوزير الحزبى[12]، بل إن المستشار أحمد منصور أشار إلى اتصال جرى بين السنهوري وأحد النواب، أثناء رئاسة السنهوري للمجلس وطلب السنهوري منه العودة إلى حظيرة الحزب السعدي[13]. ولعل هذا الضغط الذي حدث جعل صحيفة المصري تنسج منه قصصًا عن عدم دستورية الاجتماع، لأنه لم يُدْعَ إليه مستشارو الرأي والتشريع[14]، ولم يكن هذا صحيحًا لحضور بعضهم، وأشارت إلى أن السنهوري لم يحظَ بإجماع لدى اختياره رئيسًا سنة 1949[15]. كما دندنت الصحيفة على نغمة استمرارية ولائه للسعديين[16]. وعلى كلٍّ فلا يمكن إنكار حدوث بعض المعارضة المحدودة، لكن الاتجاه العام كان ضد تدخل السلطة التنفيذية في عمل المجلس. وجاء بيان المجلس الذي علمت به كل الصحف ونشر في حينه، ليؤكد على قانونية تعيين الوزير الحزبي ما دام قد استقال من حزبه، وقطع كل صلة له بالأحزاب السياسية، وأن ذلك له سوابق تاريخية، وأشار إلى أن تعيين السنهوري تم بموافقة الجمعية العمومية، وأوضح أن هناك مسلكًا قانونيًّا كان يمكن للحكومة أن تسلكه وفق الفقرة الثانية من المادة (50)، بأن تنسب إلى رئيس المجلس أسبابًا تفقده الثقة والاعتبار اللذين تتطلبهما الوظيفة، وأن يرفع ذلك إلى الجمعية العمومية لاتخاذ القرار المناسب، ومن ثم فإن مطلب الحكومة يتسم بعدم القانونية[17].
وكان على وزارة الوفد أن تتابع هجومها على السنهوري عبر وزير الدولة حامد زكي، الذي وضع بعض الانتقادات، منها وجود نحو مئة قضية مرفوعة أمام المجلس على وزارة المعارف أثناء رئاسة السنهوري لتلك الوزارة، ما يشكل مخاوف على سير العدالة، كما أن المستشار طه السيد نصر كان مرشحًا لرئاسة المجلس، ولم يعلم بذلك إلا بعد اختيار السنهوري، ما يعني أن ترشيحه كان إجراءً شكليًّا، فضلًا عن زيارة الأستاذ محمد هاشم وهو من رجال الحزب السعدي للسنهوري في مكتبه بحضور عدد من مستشارى المجلس، وأن الأخير فاتحه في نيته العودة إلى الحزب السعدى[18].
كان هذا الأمر يستدعي ردًّا من السنهوري، وكان ذلك هو مسلكَه الأخير لمجابهة القرار، ويمكن أن نلمس حيادًا من صحيفة الأهرام وانحيازًا من أخبار اليوم للمجلس، وتحاملًا من المقطم والمصري على المجلس، ومن ثم اختار السنهوري في رده على اتهامات الحكومة صحيفة الأهرام، وبدأ يفند اتهامات الحكومة، فبالنسبة إلى المئة قضية قال السنهوري: "إن الأمر ترك لضمير القاضي، فكلما استشعر في نفسه الحرج وقلة الاطمئنان في نظر أي قضية من القضايا، بادر من تلقاء نفسه بالتنحي عن مباشرتها، وإذا أحس بالطمأنينة ملء جوارحه، كما أن القانون يبيح للخصم أن يرده عن نظر الدعوى من خلال إجراءات مبينة في صلب القانون، وهناك دائرتان أُخرَيان يرأس أحدهما السيد علي السيد، والأخرى سامي مازن، وقد فعلت بإحالة تلك القضايا لتلك الدائرتين اللتين ألغتا نصف القرارات".
أما حادثة محمد هاشم فلم تقع على هذه الصورة، وإنما قابلت محمد هاشم في مكتبه كصديق قديم، وكان مرشحًا في الانتخابات فقلت له: "شد حيلك" وهي مجاملة عادية، وأنكر السنهوري ما أشار إليه حامد زكي من عدم علم المستشار طه السيد نصر بترشيحه لرئاسة المجلس[19].
وكانت المحصلة استمرار الجدل بين الجانبين حتى بلغَ حدود عدم اللياقة من قبل حامد زكي عندما نفى أصلًا وقوع اجتماع للجمعية العمومية لبحث مسألة تنحية السنهوري أول فبراير، ولم يخرج بيانٌ يؤيد السنهوري، وأشار إلى أن السنهوري لم يصل إلى منصبه إلا بفضل حزبيته وأن الحكومة لم تلجأ إلى العنف والتهديد مع السنهوري بعد[20].
وبالفعل خرجت الصحف بثلاثة مقترحات صارت أمام الحكومة:
أولها: وضع مشروع قانون جديد يهدف إلى فصل محكمة القضاء الإداري عن مجلس الدولة، وإلحاقها مع أعضائها الحاليين بمحكمة النقض، مع الإبقاء على اسمها واختصاصاتها، وبذلك يصبح رئيس هذه المحكمة هو رئيس محكمة النقض بدلًا من رئيس مجلس الدولة[21].
ثانيًا: الاستغناء عن مجلس الدولة بوضعه الحالي وإعادة الأمر إلى ما كان عليه قبل إنشائه، مكتفيًا بإدارات إبداء الرأي والمشورة للجهات الحكومية.
ثالثًا: إدخال تعديلات يسيرة على قانون تأسيس مجلس الدولة ترمي إلى منح الوزارة السلطة الكافية لعزل رئيس المجلس أو بعض أعضائه في حالات محددة لم يتناولها القانون الحالي[22]. بذلك اتجه الموقف إلى التصعيد، وكان اجتماع مجلس الوزراء في 7 فبراير سنة 1950 هو نقطة الحسم.
لماذا اتخذ الوفد هذا الموقف من السنهوري؟
يمكن القول إن هذا الموقف الذي اتخذته حكومة الوفد من السنهوري يرجع إلى ثلاثة عوامل: سياسية، وحزبية، وشخصية.
أولًا- الدوافع السياسية:
فلقد جاءت هذه الوزارة بعقلية جديدة، وهي الرغبة في أن تمضي في الحكم أطول فترة ممكنة، ومن باب ذلك وأثناء زيارة النحاس للقصر في 12 يناير سنة 1950 طلب النحاس تقبيل يد الملك[23]، وكان إعلانًا من النحاس بغض الطرف عن ممارسة الملك الملتوية، كذلك فإن حكومة الوفد قد أعلنت أنها ستمضي في إلغاء الأحكام العرفية[24]. ومن ثم كانت في حاجة إلى مجموعة قوانين تقيد بها الحريات كان على رأسها قانون الجمعيات[25]. ومن ثم كانت تعلم أن مجلس الدولة الذي احتفظ لنفسه دونما تشريع، بمهمة النظر في دستورية القوانين هو من سيقف أمام تلك القوانين ومن سيلغي تلك القرارات، فكان لزامًا إرهاب المجلس عبر النيل من رئيسه.
ثانيًا- الدافع الحزبي:
حيث إن الوفد هو من استنَّ سياسة العزل والترقية بالاستثناء، ومن ثم كان يعلم أن مجلس الدولة في ظل رئاسته الجديدة سيعارض بصلابة تلك السياسات، وسيقف المجلس حائلًا أمام ممارسات الوفد في سبيل نصرة مؤيديه، بل إن حركات التعيينات القضائية نفسها التي كانت تجريها حكومات الوفد منذ حكومة سعد زغلول كان يشوبها الاستثناءات الصارخة[26]. دع عنك رغبة الوفد المستمرة في أن يصبح رؤساء الهيئات القضائية وفديين، وهذا ما حدث سنة 1924 في محكمة الاستئناف التي حولها الوفد على حد تعبير اللنبي إلى هيئة تعمل لصالح الوفد[27]. وكذلك تعيينها أمين أنيس الوفدي على رأس محكمة النقض سنة 1943 رغم معارضة بعض المستشارين، التي وصلت إلى حد تقديم ثلاثة من المستشارين استقالاتهم[28]. ومن ثم كان هناك مسعى الوفد لإقصاء السنهوري وإبدال به أحد رجال الوفد[29]. أو على الأقل أحد المستقلين كزكي عبدالمتعال وزير المالية.
ثالثًا- البعد الشخصي:
كانت بعض المؤشرات تشير في البداية إلى علاقة ربطت السنهوري بحزب الوفد، وأنه كان صديقًا لمحمود فهمي النقراشي القطب الوفدي الكبير، لكن السنهوري ساءت علاقته بالوفد، حيث عملت وزارة الوفد سنة 1936 على اضطهاده أثناء عمله في العراق[30]. واتسع مدى العداء عندما أصبح السنهوري أحد أعضاء الحزب السعدي، فعملت وزارة الوفد سنة 1942 على ندبه إلى وزارة العدل بدلًا من عمله كوكيل وزارة المعارف العمومية، ثم فُصل نهائيًّا من عمله كوكيل وزارة، عندما أبلغ وزير المعارف نجيب الهلالي النحاس باشا باستحالة العمل معه، وتم إحالة السنهوري مبكرًا إلى المعاش سنة 1942[31]، ما جعل السنهوري يعود إلى العراق ثانيةً، وكان على حكومة الوفد أن تطارده ثانيةً هناك.
ومن ثم كان هناك تاريخ من العداء بين الوفد والسنهوري، صنعَته مواقف الرجل، وزكَّاها انتماؤه إلى السعديين، زِدْ على ذلك وجود عداء بين السنهوري وزكي عبدالمتعال أثناء عملهما في كلية الحقوق، حيث دار خلاف حول العمادة[32]، ما جعل عبدالمتعال يسعى إلى إخراج السنهوري من مجلس الدولة وأن يحل مكانه. كما أن الأمر نفسه ينسحب على الدكتور حامد زكي زميل السنهوري بكلية الحقوق. يضاف إلى ذلك عداء الوفد القديم لمجلس الدولة، ومحاولته الإجهاز على الفكرة وهي جنينٌ في رحم القضاء المصري.
انتهاء الأزمة ونتائجها
بدأت صحيفة المصري تبشر بصاعقة ستحل بالمجلس عند انعقاد جلسة مجلس الوزراء، لكن تم تأجيل الموضوع إلى اليوم التالي 8 فبراير سنة 1950[33]، وهنا انقسم المجلس على نفسه حيث عارض كل من وزير العدل عبدالفتاح الطويل ووزير الخارجية محمد صلاح الدين وزيرَ الداخلية فؤاد سراج الدين في المشروع المقترح لتعديل قانون المجلس أو إلغاء المجلس[34]، وبلغ الأمر ذروته نتيجة إلحاح حامد زكي وزكي عبدالمتعال، لكن إصرار فؤاد سراج الدين، الذي أبدى استياءه لعدم علمه بتطورات أحداث أزمة مجلس الدولة، وكان هذا ينال من طموحاته التي تزايدت أثناء تلك الوزارة، في أن يصبح المحرك الأول لسياستها[35]، وكان عبدالفتاح الطويل ومحمد صلاح الدين يريان أن افتتاح الوزارة الجديدة بتعدٍّ على هيئة قضائية من شأنه أن يثير الرأي العام ضد الحكومة، وأكد الطويل أن الموضوع قد انتهى.
لقد تحطم مشروع الإطاحة برئيس مجلس الدولة على صخرة رفض مجلس الوزراء للمشروع، فقد شعر فؤاد سراج الدين بأن طرح المشروع دون الرجوع إليه إهانة لكرامته ومكانته التي تعاظمت في وزارة الوفد الأخيرة، وأحس عبدالفتاح الطويل بأنه من غير اللائق أن تستفتح الحكومة عهدها بمثل هذا العمل، لكنَّ صوتًا لم يرفع بعدم دستورية هذا الإجراء، وضرورة الرجوع عنه من هذا المنطلق، وإنما كان كبرياء البعض، واللياقة عند الآخرين، هي مَن حفظ المجلس من نير الوزارة، ومن ثم كان هذا إيذانًا باستمرار الاحتكاك بين الوفد ومجلس الدولة.
فلقد تجاهلت الحكومة نداءات مجلس الدولة من أجل استصدار مرسوم باللائحة الداخلية للمجلس، مع أن القانون ينص على وجوب صدور هذا المرسوم، وبذلك ظلت كثير من أعمال المجلس الداخلية معطلة بسبب عدم صدوره[36]. لقد بقي معطلًا مشروع زيادة عدد المستشارين بالمجلس بعد أن أرهق العمل المستشارين الحاليين، وكذلك مشروع البحث عن مبنى يتسع لمجلس الدولة بعد أن ضاق به المبنى الذي هو فيه[37]. كما تقرر تعدي السلطة على حصانة رجال المجلس غير القابلين للعزل، حيث تدخل فاروق وبقوة من أجل منع ترقية الدكتور زكي هاشم بمجلس الدولة، وكان زكي هاشم خطيبًا سابقًا لزوجة الملك الثانية ناريمان، ولم يفلح الملك في مسعاه نظرًا إلى تهديد السنهوري بالاستقالة من رئاسة المجلس[38].
وعلى الرغم من عدم سلامة منطق الوفد في رغبته في إقصاء السنهوري بحجة أن الأخير كان حزبيًّا، وتناسى الوفد أن أغلبية القضاة ابتعدوا عن ممارسته السياسة عند دخولهم ساحة القضاة، فإن ماضيهم يؤكد لنا أن معظمهم كان له دور سياسي وحزبي[39]. كما أن الوفد نفسه هو من عارض طلب أحد الشيوخ أثناء نظر مشروع قانون استقلال القضاة سنة 1943 بعدم تولي الحزبيين للقضاء، وعلل الوزير صبري أبو علم ذلك "بكوننا في بلد دستوري، فحرام أن يحرم القضاء من كفاءة المستشارين الحزبيين"[40]. ومع ذلك تكرر صدام الوفد بالمجلس الذي كان عليه أن يدفع ثمن دفاعه عن العدالة. لكن أعظم مكسب حصده المجلس هو التفاف الشعب حوله وقلقه على مستقبله، وتحول رئيسه إلى زعيم قومي[41].
1- جلال الدين الحمامصي، معركة نزاهة الحكم، القاهرة، 1957، ص ص 138، 139.
2- F.O 141/1387 From Campbell to F.O. 6 Jan. 1950.
3- F.O 141/ 1387 From Campbell to F.O. 18 Jan. 1950.
4- كريم ثابت، عشر سنوات مع الملك فاروق، دار الشروق، القاهرة، 2001، ص244 وما بعدها.
5- F.O. 141/1387 From Campbell to F.O, 23 Jan. 1950.
6- تقرير مجلس الدولة، السنة الرابعة، ص ص 500، 501.
7- تقرير مجلس الدولة، السنة الرابعة، ص 502.
8- نفس الوثيقة، ص 502.
9- Joel Gordon, The Wafd 's Last Hurrah, International Journal of Middle East Studies, Vol. 21, May, 1989 ,P. 197.
10- تقرير مجلس الدولة، السنة الرابعة، ص 502.
11- علي أمين، هكذا تحكم مصر!، دار أخبار اليوم، القاهرة، 1952، ص 68.
12- نفس المرجع، ص 67.
13- نفس المرجع، ص 67.
14- جريدة المصري، مقالة "الحكومة تعتزم تعديل قانون المجلس"، 3 فبراير سنة 1950.
15- جريدة المصري، مقالة "رئيس مجلس الدولة يُصر"، 5 فبراير سنة 1950.
16- نفس المرجع، 5 فبراير سنه 1950.
17- تقرير مجلس الدولة، السنة الرابعة، ص 505.
18- الأهرام، مشكلة رئيس مجلس الدولة، 3 فبراير سنة 1950. المصري، الحكومة تقدم تعديلًا لقانون المجلس، 3 فبراير سنة 1950، المقطم، رد وزير الدولة، 3 فبراير سنة 1950.
19- الأهرام، رد الدكتور السنهوري، 3 فبراير سنة 1950، ص3.
20- نفس المرجع، ص6.
21- الأهرام، مشكلة مجلس الدولة تزداد تعقيدًا، 4 فبراير سنة 1950.
22- الأهرام 4 فبراير سنة 1950.
23- عاصم الدسوقي، فاروق آخر ملوك مصر، مجلة الهلال، عدد نوفمبر سنة 2007، ص 35.
24- الأهرام 15 يناير سنة 1950.
25- محمد عصفور، فلنحطم الأغلال، القاهرة، 1951، ص 98.
26- عبدالخالق لاشين، سعد زغلول، ص ص 370 – 371.
27- لطيفة سالم، النظام القضائي المصري، ج2 ، ص 300.
28- نفس المرجع، ص 313.
29- حسن يوسف، القصر ودوره في السياسة المصرية، دار الأهرام، القاهرة، 1982، ص 275.
30- F.O 371 153313 From My Bowker to My. Bevin, 8oct. 1946.
31- وثائق عابدين، ندب السنهوري إلى وزارة العدل 1942، محفظة 134.
32- صلاح عيسى، محاكمة فؤاد سراج الدين، ج 1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1983 ص168.
33- المصري 8 فبراير سنة 1950.
34- علي أمين، هكذا تحكم مصر!، ص ص 75، 76.
35- F.O 141/1387 Talk with Dr. M. Zaik Abdel Motaal, Minister of Finance, 13 th March,1950.
36- تقرير مجلس الدولة، السنة الرابعة، ص ص 503، 504.
37- نفس الوثيقة، ص 503.
38- المصري 5 سبتمبر سنه 1952 " فاروق يتدخل لمنع ترقيه زكي هاشم "
39- محمود رضا أبو قمر ، القضاء والواقع السياسي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2002 ، ص 83.
40- علي أمين ، هكذا تحكم مصر ، ص 73.
41- احمد بهاء الدين ، شرعية السلطة في العالم العربي ، دار الشروق ، القاهرة ، 1985 ، ص 27.
ترشيحاتنا
