غزة تقاوم

ماريك إديلمان

رسالة ماريك إديلمان إلى المقاومة الفلسطينية في 2002

2024.01.08

تصوير آخرون

ترجمة وتحرير: نهى مصطفى

 
غزة تقاوم

رسالة ماريك إديلمان إلى المقاومة الفلسطينية في 2002

 

كان ماريك  إديلمان سياسيًّا بولنديًّا، وناشطًا اجتماعيًّا، وطبيبَ قلب يهوديًّا، تولى منصب نائب قائد انتفاضة جيتو وارسو اليهودية أثناء الاحتلال النازي لبولندا، والقيادي الوحيد الذي نجا من الحرب. 
ظل إديلمان مناهضًا للصهيونية طوال حياته، وأدانها باعتبارها أيديولوجية عنصرية تُستخدَم لتبرير سرقة الأراضي الفلسطينية. ووقف إلى جانب الفلسطينيين، ودعم مقاومتهم المسلحة، واجتمع بشكل متكرر مع القادة الفلسطينيين، وعارض استخدام إسرائيل للمحرقة لتبرير قمعها للشعب الفلسطيني. 
وفي مقابلة أُجرِيت معه عام 1985، قال: إن الصهيونية "قضية خاسرة"، وشكك في قدرة إسرائيل على البقاء. وأدى تأييده للقضية الفلسطينية إلى نفور العديد من الإسرائيليين منه، وخاصة الناجين من انتفاضة وارسوا الذين استقروا في إسرائيل.
ومن أقوال إديلمان أن للمضطهدين، بما في ذلك الفلسطينيون، الحقَّ في النضال من أجل المساواة والكرامة والحرية.
ومن ناحية أخرى، فقد ألهمت انتفاضة وارسو الفلسطينيين لفترة طويلة، واعتاد ممثلو منظمة التحرير الفلسطينية وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لجيتو وارسو في الذكرى السنوية للانتفاضة في بولندا.

في عام 2002 بعث إديلمان بالرسالة التالية إلى الفلسطينيين:

إلى كافة قادة التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية وحرب العصابات الفلسطينية، إلى كافة جنود الجماعات الفلسطينية المسلحة:
اسمي ماريك إديلمان، كنت نائب قائد المنظمة العسكرية اليهودية سابقًا في بولندا، وأحد قادة انتفاضة جيتو وارسو. في عام 1943 الذي لا يُنسى، ناضلنا من أجل بقاء الجالية اليهودية في وارسو، لقد قاتلنا من أجل الحياة، وليس من أجل الأرض، ولا من أجل الهوية الوطنية، لقد قاتلنا بتصميم يائس، لكن أسلحتنا لم تكن موجهة قط ضد السكان المدنيين العُزَّل، ولم نقتل النساء والأطفال أبدًا. 
وفي عالم خالٍ من المبادئ والقيم، وعلى الرغم من خطر الموت المستمر، بقينا مخلصين لهذه القيم والمبادئ الأخلاقية.
لقد كنا معزولين في قتالنا، ومع ذلك لم يتمكن الجيش المنافس القوي من تدمير هؤلاء الأولاد والفتيات الذين كانوا بالكاد مسلحين. استمرت معركتنا في وارسو عدة أسابيع، وبعدها قاتلنا ضمن المجموعات الحزبية وفي انتفاضة وارسو عام 1944.
ومع ذلك، لا يمكن لقوات حرب العصابات في المناطق الحضرية أن تحقق نصرًا حاسمًا في أي مكان في العالم، ومن غير الممكن أيضًا هزيمتها بواسطة جيوش مسلحة تسليحًا جيدًا. وهذه الحرب لن تأتي بأي حل، وسوف تراق الدماء سُدًى، وستُزهَق الأرواح من الجانبين.
لم نهمل قيمة الحياة أبدًا، لم نرسل جنودنا إلى موت محقق قط، الحياة واحدة إلى الأبد، ولا يحق لأحد أن يأخذها دون قصد، لقد حان الوقت لكي يفهم الجميع ذلك.
انظروا حولكم فقط، انظروا إلى أيرلندا، بعد 50 عامًا من الحرب الدموية حل السلام، وجلس الأعداء المتقاتلون سابقًا على طاولة مشتركة، انظروا إلى بولندا، في فاليسا وكورون، وبدون إطلاق رصاصة واحدة، هُزم النظام الشيوعي الإجرامي؛ لذا يتعين عليكم وعلى دولة إسرائيل أن تغيروا موقفكم بشكل جذري.
لا بد أن ترغب في السلام من أجل إنقاذ حياة المئات أو ربما الآلاف من الأشخاص، ومن أجل خلق مستقبل أفضل لأحبائك ولأطفالك. أعلم من تجربتي الخاصة أن تطور الأحداث الحالي يعتمد عليكم، أيها القادة العسكريون؛ لأن تأثير الجهات السياسية والمدنية أقل بكثير. البعض منكم  درس في الجامعة في مدينتي، والبعض منكم يعرفني، إنكم تتمتعون بالقدر الكافي من الحكمة والذكاء لكي تفهموا أنه بدون السلام لن يكون هناك مستقبل لفلسطين، وأن السلام لا يمكن تحقيقه إلا على حساب موافقة الجانبين على بعض التنازلات.
كما أطلب من الرئيس بيل كلينتون والوزير برنارد كوشنر والنائب دانييل كوهن بنديت تأييد مناشدتي، أريد أن أذكركم بموقفنا المشترك بشأن حرب يوغوسلافيا، وربما يمكن إيقاف هذه الحرب أيضًا، التي لن يكون هناك منتصر فيها، واستبدالها بمفاوضات تؤدي إلى السلام، ربما من الأفضل ألَّا يكون الوسيط سياسيًّا، بل شخصًا يتمتع بسلطة أخلاقية عالية، ويقدِّر حياة كل إنسان بكرامة وسلام أعلى من الأهداف السياسية.
 ماريك إديلمان، أغسطس 2002

أكبر تجمع لليهود في أوروبا

من المعروف أن بولندا عاش فيها أكبر تجمع لليهود في أوروبا حتى عام 1939، ولكن قُضي على غالبيتهم في المحرقة النازية، وأُنشئ جيتو وارسو في عام 1940، وأُجبِر قرابة نصف مليون شخص على العيش فيه. 
بعد الغزو الألماني لبولندا، وجد إديلمان نفسه محاصرًا مع يهود وارسو الآخرين في الحي اليهودي، وفي عام 1942، بصفته قائدًا لشباب البوند، شارك في تأسيس المنظمة القتالية اليهودية السرية، وحارب النازيين عندما تحركوا لتصفية الجيتو اليهودي في انتفاضة جيتو وارسو في إبريل ومايو 1943.
وكان آخر الباقين على قيد الحياة ممن قادوا جماعات يهودية صغيرة حاربت النازي في عام 1943، عندما تحركت قوات الاحتلال الألماني لتصفية الجيتو اليهودي في العاصمة البولندية وارسو. كان المقاتلون اليهود مسلحين تسليحًا متواضعًا، وسُحقت الانتفاضة خلال أسابيع قليلة.
وعندما أوقف الألمان حملتهم لنقل سكان الحي اليهودي إلى معسكر الإبادة تريبلينكا في سبتمبر 1942، لم يبقَ منهم سوى 60 ألفًا فقط، ولم يكن لدى إديلمان ورفاقه أدنى شك في أن الألمان سيستأنفون المهمة، وبدأت المنظمة القتالية اليهودية في الحصول على الأسلحة وتنظيم نفسها في وحدات من شأنها أن تعوض نقص التدريب والذخائر، مع معرفة وثيقة بالحي اليهودي، سواء فوق الأرض أو في شبكة الصرف الصحي.
استأنف الألمان هجومهم على الحي اليهودي في 19 أبريل 1943، بأكثر من 2000 جندي. ووفقًا لإديلمان: "لم يكن الألمان يتوقعون مقاومة من أي نوع، ناهيك عن أننا سنحمل السلاح، وأَجبَرت المقاومة القوية لمقاتلي الجيتو، الذين فاق عددهم وتسليحهم، القوات الألمانية على الانسحاب، وعلى مدى الأسابيع الثلاثة التالية، كان القتال عنيفًا؛ قتل الكثير من المقاتلين اليهود، وجرح العشرات من النازيين، لكنهم تكبدوا خسائر أكبر بكثير. يتذكر إديلمان: "بعد ثلاثة أسابيع من القتال، كان قد مات معظمنا".
هرب إديلمان ورفاقه القلائل المتبقون عبر المجاري، وشَقُّوا طريقهم إلى الجزء غير التابع للجيتو في وارسو؛ للعثور على الأمان بين مواطنيهم البولنديين. في هذه المرحلة كانت الانتفاضة قد انتهت، ومصير هؤلاء المقاتلين الذين بقوا في الخلف كان مجهولًا.
بعد الحرب، بقي إديلمان في بولندا، على الرغم من مضايقات السلطات الشيوعية. أصبح طبيب قلب مشهور، وتوفي في بلده عن عمر يناهز الـ87 في عام 2009.