حوارات

دينا عزت

سيو هين لي يحاول الوصول لغزة

2024.09.14

تصوير آخرون

مقابلة مع الناشط الصيني الأمريكي الذي يسعي لتقديم الدعم للفلسطينيين

في النصف الثاني من شهر سبتمبر الجاري يعود سيو هين لي، الناشط الصيني الأمريكي، إلى القاهرة في محاولة ثانية له ولأعضاء آخرين من منظمة "پاندا إيد"Panda Aid خلال العام الجاري الوصول إلى غزة؛ لتوزيع مواد إغاثية وطبية لضحايا الحرب الإسرائيلية القاسية في القطاع، التي تسببت خلال أحَدَ عشر شهرًا في مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال - إلى جانب آلاف أخرى لم يتم رفع جثامينهم من تحت ركام الأبنية، الذي أصبح يمتد على مسار القطاع من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، إلى جانب إصابة أكثر من 100 ألف، معظمهم إصاباتهم حرجة، وحرمان القطاع بصورة كاملة من الحد الأدنى من الطعام والدواء وأسباب النظافة.

 

 

"لا نعلم إذا ما كانت إسرائيل ستسمح لنا بالمرور هذه المرة أم لا؟ على الأرجح لا. ولكننا لا نحدد تحركاتنا بناء على ما تراه وتقرره إسرائيل أو تعتزمه أو لا تعتزمه".

هكذا يقول الناشط الصيني الأمريكي، الذي يعيش حياته بين شنغهاي وكاليفورنيا، والذي قام قبل عام بالتعاون مع أصدقاء ورفقاء بتكوين منظمة "باندا إيد" منذ عام لتأطير الجهود المتنوعة التي تقوم بها هذه المجموعة، ولتقديم الدعم الإنساني لضحايا الحروب "التي تطلقها أمريكا ويطلقها الغرب" عبر العالم في آسيا وأفريقيا.

في أبريل الماضي، بعد أشهر قليلة من تأسيس "باندا إيد"، وصل سيو هين لي إلى مصر مع 4 أعضاء من المنظمة وقاموا، بحسب المعتاد من جانبهم، بشراء أدوية ومواد إغاثة متنوعة "حيث من الأفضل والأرخص الشراء من السوق المحلية دومًا"، على أمل الدخول إلى غزة عبر معبر رفح البري الواصل بين الأراضي المصرية على الحدود الشرقية، وبين قطاع غزة الواقع تحت وطأة الحرب الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر 2023.

"لم تكن تلك بداية عملنا مع القضية الفلسطينية، لقد تشاركنا مع دول الجنوب العالمي (جلوبال ثاوث)، للتضامن مع الحقوق الفلسطينية ومواجهة ما يتعرضون له من عنف إسرائيلي بدعم أمريكي غربي، أو لنَقُلْ بتغاضٍ أمريكي غربي. فنحن بوصفنا مجموعة من النشطاء تحركنا لدعم النضال للحق الفلسطيني منذ أكثر من 40 عامًا"، بحسب سيو هين لي.

ويضيف: "لكن ما يحدث الآن مختلف؛ لأن ما يحدث الآن هو من أسوأ الأشياء التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عبر تاريخ القضية، إنه بالتأكيد من أقسى أو ربما الأقسى على الإطلاق".

في مواجهة مشهد "مخيف للغاية تتداعى تفاصيله كل يوم بصورة لا تتوقف" قرروا أن عليهم، ليس فقط تقديم الدعم، ولكن تقديم الدعم على الأرض من غزة: "لأننا فكرنا أن ذلك سيسلط الضوء على ما يحدث ويقدم رواية مختلفة وأكثر صِدقًا عن تلك التي ينقلها الإعلام الغربي للعالم.. هناك رواية أخرى يجب أن يَطَّلع عليها العالم عن تلك التي يطرحها الغرب، الداعم الرئيس لهذه الحرب، ليس فقط من المنظور السياسي، ولكن أيضًا لأنه يقدم الدعم بالسلاح، بل أحيانًا يدعو لشن الحروب أو يتسامح في شنها. وبالطبع في المقدمة الولايات المتحدة، التي قامت نفسها بشن حروب مثل تلك الحرب على العراق".

لا يتردد سيو هين لي في توصيف تورط الإدارات الأمريكية المتتالية في دعم الحروب المتتالية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، بل يتهم الطبقة السياسية بأكملها بالتورط أو على الأقل بالتقاعس عن إيقاف الحرب، ليس فقط تلك التي تشنها إسرائيل السابع من أكتوبر على قطاع غزة، ولكن كل ما سبقها من اعتداءات يتعرض لها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وليس فقط في غزة، ولكن في الضفة. لكنه يقول: إن المهمة الإنسانية التي تسعى "باندا إيد" للقيام بها حاليًّا ترتبط بغزة على وجه التحديد؛ لأن ما تعرضت له عبر 11 شهرًا مضت "يتجاوز كثيرًا ما سبقه".

ويقول سيو هين لي: إن هذا الإدراك لمدى التورط الأمريكي، كان داعيًا لإقدام "باندا إيد" على التعاون مع العديد من الفاعلين السياسيين في الولايات المتحدة؛ لتنظيم عدد من الفعاليات للتعريف بحقيقة ما يحدث في غزة، ومدى الدمار والخراب الذي حل بالقطاع. إلى جانب تنظيم مظاهرات ووقفات سياسية، تم تخصيص بعضها للمطالبة بإيقاف الحرب، والبعض الآخر لتوقيف نتنياهو لدور الجنائي في الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة.

وبحسب سيو هين لي فإن من أهم أركان عمل "باندا إيد" هو التنسيق والتواصل مع منظمات وفاعلين حول العالم؛ للتحرك ليس فقط نحو إيقاف الحروب ومنعها ومد يد العون لضحايا هذه الحروب، لكن "باندا إيد" تسعى أيضًا لنشر الحقيقة؛ لأن إلقاء الضوء على الحقيقة هو البداية الحقيقية لإنهاء الحروب ورفع الظلم. ويقول: إن التحرك الشعبي - خاصة التحرك الطلابي الكبير الذي شهده عدد من الجامعات في العواصم والمدن والغربية الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية - كان له دور كبير في تعديل الموقف الأمريكي بدرجة ولو طفيفة.

في إطار الاستعداد لرحلته في منتصف سبتمبر، يتابع سيو هين لي تطورات المواقف السياسية إزاء الحرب الإسرائيلية التي أشرفت على الوصول لعام كامل في السابع من أكتوبر 2024. ومن خلال هذه الاتصالات، يقول: "المؤكد أن الوضع الإنساني يتفاقم وبسرعة، وأن الحاجة شديدة لأدوية أساسية ومواد طبية حيوية، إلى جانب الحاجة للطعام ومتطلبات النظافة الشخصية". وفي ضوء ذلك يجري سيو هين لي الجهد لرفع حجم التبرعات التي تتلقاها "باندا إيد" لتقديم المزيد من العون للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وتحت الحرب الإسرائيلية؛ ليتم توصيلها على الأرجح من خلال بعض المنظمات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة، التي ما زالت تستطيع إدخال بعض المواد الضرورية لغزة.

لكن سيو هين لي لا يعرف على وجه اليقين إذا ما كان ذلك سينجح؛ لأن إسرائيل - بحسب ما يرى - أصبحت أكثر تعنتًا، ولأن الوضع تعقد كثيرًا مع قيام مصر بإغلاق معبر رفح البري، الذي يربط الأراضي المصرية بغزة وغياب اتفاق هدنة يسمح بإعادة فتح المعبر وتشغيله، وعدم الثقة في أن إسرائيل ستقوم بتمرير هذا الدعم عبر معبر كرم أبو سالم.

ويضيف أن الرحلة القادمة لا تهدف فقط "لمد يد العون" ولكن "ثانيًا لإبلاغ العالم بما يحدث"، ويشرح أن الحديث عما يحدث لا يقتصر فقط على تقديم حكم المعاناة الإنسانية والبؤس الشديد الذي يعيش تحته الشعب الفلسطيني في غزة، وإنما أيضًا الاختراقات الكبرى للاتفاقات الدولية ذات الصلة والتي تستدعي المساءلة القانونية. ويقول: إن الهدف الرئيس يبقى إنسانيًّا، ولكن تحقيق الهدف الإنساني يتطلب دعمًا سياسيًّا.

درس سيو هين لي الهندسة التي يمتهنها، شأنه شأن غيره من النشطاء المنضمين لمنظمة "باندا إيد" والمتعاونين معها، فإن كل أعضاء الفريق لديهم أعمالهم ويبقى دورهم الإنساني من خلال "باندا إيد" هو دورًا تطوعيًّا منبعثًا من "إيمان حقيقي بأنه لا يمكن ترك العالم لسياسات الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة ليقرروا مصيره، ويقرروا الحروب حسب مساحات مصالحه؛ لأن هناك دولًا أخرى، خاصة دول الجلوبال ثاوث، لديها الحق في أن يكون لها صوت مسموع، كما أن الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، والشعوب الواقعة في مساحات من القهر في أفريقيا وآسيا، هي أيضًا لها الحق في أن يكون لها صوت".

ويضيف سيو هين لي: إنه في كل الأحوال يمكن دومًا التعويل على الرأي العام في الغرب والولايات المتحدة، في حال ما إذا تم وضع رواية كاملة وحقيقية؛ ليكون لهم القدرة على الضغط على حكوماتهم للتوقف عن السياسات الهادفة لممارسة الاستعمار بكل أشكاله السياسية والاقتصادية.