عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

سوشيالست وركر

صعود ممداني يربك الإمبراطورية الأمريكية

2025.11.01

مصدر الصورة : آخرون

صعود ممداني يربك الإمبراطورية الأمريكية

 

أشعلت حملة زهـران ممداني لمنصب عمدة نيويورك ذعر المؤسسة الحاكمة، وفي المقابل بثّت أملًا في نفوس الناس العاديين. كان خطابه واضحًا وصادمًا للنخبة في آن «لا أعتقد أننا يجب أن نسمح بوجود مليارديرات».

خلال الحملة، غزت ملصقات ممداني ولافتاته الزرقاء والصفراء شوارع نيويورك، بينما جذب مهرجان جماهيري يوم الأحد الماضي [i] ما يصل إلى 13 ألف شخص في ملعب فورست هيلز. هناك، كان المزاج أشبه بانفجار سياسي من أسفل المجتمع.

من داخل مصنع «أمازون» الوحيد المُنظّم نقابيًّا في الولايات المتحدة، قالت ديفيد-ديسيري، عضو اتحاد عمّال أمازون في جزيرة ستاتن، إن «خطاب زهران والحركة المحيطة به أشعلا شرارة. هناك طاقة هائلة… الناس يتحركون ويصوتون».

الناشط الاشتراكي إيريك فريتز لخّص اللحظة بحدة: «لم يعتقد أحد أن ممداني يملك فرصة في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، لكنه هزم مرشحي المؤسسة. الناس يكرهون دونالد ترامب، لكن غضبهم من الديمقراطيين لا يقلّ حدّة، لأنهم ببساطة لا يفعلون شيئًا».

يعرّف ممداني نفسه كـ«اشتراكي»، وهو عضو في منظمة «الديمقراطيون الاشتراكيون في أمريكا (DSA)»، وحملته انعكاس لعدة تيارات متقاطعة: التضامن العالمي مع فلسطين، الغضب الشعبي من ترامب ومداهماته ضد المهاجرين، والهوة الطبقية العميقة في المجتمع الأمريكي.

تتصدر نيويورك مدن العالم في عدد المليارديرات. في ظل ذلك، يعيش سكانها العاديون في شقق ضيقة ومجمدة. وأشار تقرير عام 2023 إلى أن نصف أسر المدينة عاجزة عن تحمّل تكاليف الإيجار والغذاء والرعاية الصحية. وفي خطاباته، يتحدث ممداني عن أبناء الطبقة العاملة الذين «يُدفعون خارج المدينة التي بنوها».

أطلق ممداني وعودًا جذرية، من بينها تجميد الإيجارات لملايين السكان، وبناء 200 ألف وحدة سكنية خلال عشر سنوات، وتوفير حضانة مجانية لمن دون الخامسة، وشبكة متاجر تموين منخفضة الأسعار مملوكة للمدينة، تموَّل عبر ضريبة على الأثرياء بمقدار 1 في المئة.

لكن برنامجه يتجاوز الاقتصاد. فهو يتعهد بحماية المهاجرين ومنع دخول وكالة الهجرة والجمارك (ICE) إلى مرافق المدينة. يقول جيسي أورتيز، أحد أعضاء DSA في نيويورك، إن ممداني «أثبت التزامًا بدعم المسلمين والمهاجرين»، مشيرًا إلى عمله المتواصل مع المساجد والمنظمات المجتمعية منذ سنوات، خصوصًا بعد مرحلة ما بعد 11 سبتمبر وما رافقها من شيطنة العرب والمسلمين والجنوب آسيويين.

في المقابل، يهاجم ممداني الساسة -ومنهم الديمقراطيون التقليديون- الذين يقدّمون مصالح مموليهم من الأثرياء على احتياجات الناس.

إريك آدامز، العمدة المنتهية ولايته، ملأ المترو برجال الشرطة ورفع معدلات توقيف المخالفات البسيطة، وبعد خسارته أمام ممداني في الانتخابات التمهيدية، ساند أندرو كومو، الذي يخوض السباق كمستقل، مدعومًا بنفوذ عقاريين وكبار مالكي الثروة، ومن بينهم مايكل بلومبرج الذي موّل حملته بملايين الدولارات.

تقول ديفيد-ديسيري إن سلوك كومو «مثير للاشمئزاز»، مضيفة: «استقال بعار بعد اتهامات بالتحرش الجنسي، ومع ذلك سُمِح له بالعودة والمنافسة على قيادة المدينة، وهو مدعوم من الشركات والمليارديرات». لِنزي بويلان -السياسية والمستشارة السابقة لكومو- أعلنت دعمها لممداني، معتبرةً أنه «كسر النمط السائد للسياسيين وبدأ الإصغاء للناس… الديمقراطيون تاهوا عن بوصلتهم».

الحملة تتجاوز أمريكا. النائبة البريطانية زارا سلطانة أشارت أخيرًا إلى «ضرورة طرح مطالب واضحة وجريئة كما فعل ممداني»، مضيفة أن وعوده وجدت صدى عميقًا حتى لدى قطاعات من الجمهور البريطاني.

حملة ممداني، إذن، ليست حملة تصميمات جذابة فحسب، بل تموضع طبقي صريح يقف إلى جانب الطبقة العاملة في مواجهة النخبة المالية. وهذا تحدٍّ مباشر للفكرة التقليدية بأن الفوز يمر دائمًا عبر مجاملة اليمين واسترضاء الناخبين المحافظين.

ذعر في الهامبتونز

واجه ممداني، بوصفه مسلمًا مولودًا في أوغندا، حملة شرسة من الهجمات الشخصية والافتراءات. خصومه يتحدثون عن «مدينة كارثية» سيسودها الفقر والجريمة إن فاز. اتُّهم بمعاداة السامية، وبُحثت وسائل التواصل الاجتماعي لعائلته بحثًا عن أي هفوة محتملة.

النائب الجمهوري المؤيد لترامب، آندي أوجلز، اتهمه بأنه جاء إلى أمريكا «ليحولها إلى ثيوقراطية إسلامية»، مضيفًا: «أقول لا للشريعة… ولهذا قدّمت طلبًا لترحيله إلى أوغندا». بل ذهب إلى الدعوة لترحيلات جماعية «لمنع أمثال ممداني في المستقبل».

لكن ممداني واجه تلك الحملات بما يسميه «الحقيقة الطبقية». في فيديو انتخابي، سخر من هلع أثرياء الهامبتونز -المصيف النخبوي الأشهر- قائلًا إن «البلوتوقراطيين في حالة علاج جماعي».

إلى أين يتجه اليسار؟

حركة ممداني حشدت طاقات هائلة، نحو 90 ألف متطوع. وهي قوة يمكن أن تعزز حركة التضامن مع فلسطين، وتبني شبكات قادرة على مواجهة مداهمات ICE، وتعيد بعث الروح في النقابات.

لكن الانتصار، إن تحقق، سيجلب ضغطًا مضاعفًا، فقد هدّد ترامب بإرسال الحرس الوطني إلى نيويورك وقطع التمويل الاتحادي عنها. ومنذ اليوم الأول، سيحاول الأثرياء وأذرع السلطة إقصاء ممداني أو إخضاعه. وفي المقابل، هناك من يدعوه إلى الانصياع للحزب الديمقراطي و«التصرّف بعقلانية».

تجربة بيرني ساندرز -الذي يدعم ممداني- ماثلة، حيث بدأ رمزًا للتغيير، ثم انتهى مصطفًّا خلف جو بايدن. ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز صوّتت هذا العام ضد تعديل لخفض تمويل إسرائيل، ليس لأن المبادئ تبخرت، بل لأن السياسة داخل الحزب تفرض تسويات قاسية.

ممداني نفسه اضطر إلى تخفيف شعاراته، حيث دافع عن استخدام شعار «عمّموا الانتفاضة» ثم أعلن التوقف عن ترديده، وجدّد اعترافه بـ«حق إسرائيل في الوجود». ورغم اتهامه بالسعي إلى «خفض تمويل الشرطة»، أعلن نيته إبقاء قائدة الشرطة الحالية، في رسالة طمأنة لتيار الوسط.

هذا أثار قلق ناشطين مثل ديفيد-ديسيري، التي قالت: «أفضل أن نقف بوضوح على مبادئنا ونواجه… لكنني أتمسك بالأمل». بالنسبة إليها، التغيير الحقيقي يحتاج أن «تتسلم الطبقة العاملة زمام المبادرة».

ويرى البعض في أوساط DSA ضرورة «دفع الحزب الديمقراطي إلى اليسار» عبر التغلغل فيه، بينما يحذّر آخرون من إعادة إنتاج مأزق التنظيمات السابقة مثل خلق حماس شعبي بلا تنظيم مستقل قادر على الصمود. يقول إيريك: «حركة احتلوا وبلّاك لايفز ماتر غيرتا الوعي، لكنهما لم تخلّفا بنية سياسية دائمة».

لذلك يرى كثيرون، أنه لا يكفي الفوز بصندوق الاقتراع، فما بعد التصويت هو لحظة الحقيقة. واليسار الأمريكي أمام اختبار تاريخي إما بناء قوة شعبية مستقلة، أو ترك اللحظة تُبتلع داخل ماكينة الحزب الديمقراطي.


[i] نُشر التقرير في «socialistworker» بتاريخ 31 أكتوبر 2025.