رؤى

حنان حجاج

فقراء القاهرة "جنة" الخديوي إسماعيل المزعومة!

2024.07.13

مصدر الصورة : ويكيبيديا

فقراء القاهرة "جنة" الخديوي إسماعيل المزعومة!

 

لا توجد مدينة بلا فقراء فلا مدن بلا هوامش.. لكن أن تكون المدينة هي الهامش، أن يكون سكانها الأصليون هم الفقراء فهذه حالة متفردة، خاصة لو كانت هي العاصمة والمدينة الأقدم التي تراكمت عليها مدن وتواريخ ودول. هكذا كانت القاهرة القديمة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد سنوات من التهميش والإفقار، كان متوسط أجر العامل فيها قرشين صاغ يوميًّا ويقايض عرقه بوجبة طعام. تلك السنوات التي نتعامل معها باعتبارها عصر البناء الجديد للقاهرة الخديوية حيث الشوارع المنسقة والعمارات ذات الطابع الأوروبي الفخم والمحال التي تنافس ببضائعها الغالية أحدث موضات أوروبا، لم يكن هذا المشهد مكتملًا حقيقة فقد كان لا يمثل سوي حوالي 10% من مساحة المدينة، فعلى حدود قاهرة الخديوي المبهرة، كانت المدينة القديمة يطاردها الفقر والجهل وانسداد سبل العيش ويتراكم عليها مزيد من فقراء الريف، والضرائب تطارد كل من لا يزال قابضًا على مهنته لكي تدفع تكلفة حلم الخديوي.

مدينة تلتهمها الأوبئة ويسكنها الفقر

يذكر المؤرخ خالد فهمي في كتابه "السعي للعدالة" عدة موجات من الأوبئة كان للقاهرة النصيب الأوفر منها. وكانت أكثر تلك الأوبئة كارثية وباء الكوليرا الذي ضرب المدينة في عام 1831، ورغم أنه لم يدُم إلا عدة أسابيع فإنه أودى بحياة من 150 ألفًا إلى 190 ألفًا. وكانت القاهرة الأكثر فداحة في الضحايا، ففي خلال أقل من شهر مات 36 ألفًا أي حوالي 14.4% من عدد السكان، الذين كانوا يقدرون وقتها بحوالي 250 ألفًا. وتراوح العدد اليومي بين 500 و600 متوفى، وبعد أقل من 4 سنوات هاجم المدينة الطاعون الشهير عام 1835 الذي استمر إلى أكتوبر من عام 1837 وأودى بأرواح 200 ألف مصري، فقدت فيه القاهرة وحدها ثلث سكانها ثم عاد مرة أخرى عام 1840 بشكل خفيف واختفى بعدها من دون سبب واضح. ولكن عادت الكوليرا 4 مرات متتالية، عام 1848 وقتلت 30 ألفًا وعام 1865 وقتلت حوالي 60 ألفًا وعام 1883 وقتلت من 80 إلى 100 ألف، وأخيرًا عام 1895 وأوقعت 16 ألفًا. ميراث الموت هذا كان أحد أهم أسباب الإفقار التي عاشتها المدينة. فقد خلف وراءه آلاف الأسر بلا عائل وبلا عمل، أغلقت سياسة الحجر الصحي الكامل التي طبقها محمد علي وخلفاؤه كأحد أهم آليات المكافحة سبل العمل والتنقل[1]، وتركت ميراثًا من الفقر ظل لسنوات رفيقًا لأجيال من أبناء المدينة القديمة. ورغم محاولات محمد علي المبكرة لإصلاح ما يمكن إصلاحه في المدينة القديمة، سواء بعمليات هدم البيوت القديمة عام 1816 أو كنس الشوارع والأسواق أو ردم البرك ونقل تلال القمامة كمحاولة لمجابهة الأوبئة الكاسحة التي هاجمت المدينة، فإن هذا سرعان ما خبا مع ابتعاده هو وحكامه عن المدينة وانتقال قصورهم بعيدًا إلى قلعة الجبل.

الباشا يحتكر والعمال يُستعبَدون

حسب كتاب وصف مصر فقد كان أغلب سكان القاهرة بداية القرن الـ 19 من الفقراء. فعلي سبيل المثال، بلغ عدد الحرفيين الصغار 25 ألف شخص وعدد الخدم 30 ألفًا وعدد عمال اليومية والحمالين والباعة الجائلين 15 ألفًا وكان عدد السكان البالغين من الذكور (قوة العمل) 99 ألفًا، وبالتالي فإن جملة فئات الطبقة الدنيا تمثل 70.7% من جملة العاملين في القاهرة، أي إن ثلثي السكان من الفقراء تقريبًا. بينما يشير اندريه ريمون في كتابه طوائف الحرفيون والتجار في القاهرة في القرن الثامن عشر[2] ان القاهرة كان بها 193 طائفة منها 74 ذات طابع حرفي تمثل 38.3% من قوة العمل و65 ذات طابع تجاري تمثل 33.7% من قوة العمل 39 طائفة خدمية 20% من قوة العمل و11 طائفة لأنشطة اللهو والتسلية، وبالتالي فإن النظام الاقتصادي والمهني للمدينة من التجار والصناع كان يمتلك بعض قوته متمثلًا في الطبقة الوسطى وبعض الأغنياء من شيوخ طوائف الحرف.[3]

كان نظام الطوائف الحرفية يمثل منظومة العمل المستقرة والأكثر استدامة لسكان المدينة. كما كان يمثل وحدة اقتصادية واجتماعية يندمج فيها العمال وأصحاب رأس المال في الوقت نفسه. فهو يضم أفراد الحرفة الواحدة في نسق متكامل اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وفي أغلب الأوقات جغرافيًّا. فكان أصحاب الحرفة الواحدة يفضلون التواجد في منطقة واحدة شبه متماسكة وهو ما ترك طابعه على أحياء القاهرة المختلفة وأصبح لكل منطقة حرفتها. فكان يطلق على كل حي لطائفة (حارة) فهناك حارة الصنادقية وحي النحاسين وهكذا.

ورغم بعض ملامح انغلاق هذا النظام وارتباكه في نهاية الدولة العثمانية، فإنه ظل ربما أكثر تماسكًا من أنظمة الحكم نفسها في القرن الثامن عشر. ورغم التأخر كثيرًا في تحديث وسائل الإنتاج، فإن الطوائف الحرفية ظلت ربما حتى قرب نهاية القرن التاسع عشر كيانًا مهمًّا يحيي أصحاب الحرف في المدينة ويضمن لهم الحد الأدنى من العمل وامتلاك وسائل الإنتاج لإقامة الحياة. كما كان يكفل حماية حقوق العاملين به. كان الحرفيون يأتون في المركز الثاني من حيث الثروة بعد كبار التجار حتى نهاية القرن الثامن عشر والربع الأول من القرن التاسع عشر.

كان لطوائف الحرف نظام داخلي شديد الصرامة فيما يتعلق بالتعليم والتدرج في مستوى العامل، بل إنهم لعبوا دورًا أساسيًّا في تحديد أسعار السلع وكمية المنتج منها لضمان مستوى معين من الأجور للعاملين في الحرف المختلفة، وكان هناك نظام صارم لتدرج أصحاب الحرف منذ دخول الأطفال للتدريب في سنواتهم الأولى (عادة ما كان يبدأ مشوار الطفل منذ الثامنة).

بعد ما يقارب خمسة عشر عامًا من تولي محمد علي حكم مصر وبالتحديد عام 1821، بدأ الباشا سياساته الاحتكارية القائمة على أن تمتلك الدولة أدوات الإنتاج وتتولى تشغيلها لصالحها، كما تتولى أيضًا إدارة المشروعات كافة. ويذكر دكتور نبيل محمد الطوخي في كتابه "طوائف الحرف من عام 1841 وحتى 1881"، أنه في عام 1821 أصدر محمد علي أول قراراته الاحتكارية وهي منع الأهالي كافة من تشغيل أنوال الغزل ومعاقبة من يتجاسرون على تشغيلها، ثم تبعه بقرار إغلاق مصانع السكر الأهلية بعد أن بدأ تشغيل مصانع السكر التي أنشأها، وفي عام 1823 كانت جميع معاصر الزيوت تعمل لحساب الحكومة ولا بد من الحصول على تصريح لتشغيل أي معصرة من قبل الأفراد.[4]

ضم محمد علي أرباح الصناعات كلها صغيرة وكبيرة وهو ما أدى بالفعل إلى أن يتحول أصحاب الحرف المختلفة والمصانع والورش الصغيرة إلى مجرد أجراء في مصانع وورش الباشا. ضمن أن يتم توفير احتياجات جيشه كافة وأن يتم تصريف ما يتبقى من منتجات على المدنيين. وهو ما أدى بالفعل إلى التضييق على أصحاب الحرف وإلحاق مزيد من العاملين فيها بطابور الفقر، وهو أيضًا ما أضعف روح الابتكار والرغبة في النمو لدى أصحاب الحرف مع تآكل رؤوس الأموال.

ويرى البعض أن هذه السياسة الاحتكارية تركت هامشًا من الحرف القليلة، ولكن يظل ضررها الحقيقي أنها احتكرت حتى قوة العمل عبر آليات تشغيل استغلت عشرات الآلاف بل وجلبت فقراء من الريف ليضافوا فيما بعد إلى سكان المدينة. وعقب إغلاق عشرات المصانع والورش التي كان يعمل بها هؤلاء الصناع كانت مصانع الباشا وورشه هي المكان الوحيد المتاح لعملهم.

ويشير عبد الرحمن الرافعي في كتابه "عصر محمد علي" إلى أن الأجور كانت زهيدة، بل وأحيانًا كانت مقايضة العمل بالخبز عاملًا آخر هبط بسكان المدينة إلى مستوى جديد من الفقر. كانت مصانع الباشا يتقاضى العاملون فيها أجورهم بنظام اليومية، بل إن بعضهم يقايض أجره إجبارًا بسلع ومنتجات من تلك المصانع وخاصة تلك التي يتعذر تصريفها في الأسواق. 

فمثلًا في مصنع "الخرنفش" كان ثمن غذاء العمال يخصم من أجورهم وفي حالات أخرى كانت تُعطى لهم أذونات بها فتدفعهم الحاجة إلى بيعها للمرابين والتجار بخصم يتراوح من 25 إلى 30% من قيمتها متخلين عن الطعام[5]. وفي نهاية الفترة الاحتكارية كان عمال الصناعات اليدوية الصغيرة والصناع المهرة، قد أغلقوا ورشهم واضطر كثيرون منهم إلى ترك الصناعة، ويضيف الرافعي: "وصل ببعضهم للعمل كعمال أجراء في الزراعة أو أعمال الخدمات فانتقلوا بالتبعية للعمالة الفقيرة ولم يمتلك أفراد هذه الطبقة الجديدة في منازلهم سوى الأثاث الضروري للمعيشة من أواني فخارية لطهي الطعام والحصر للنوم ". ورغم إلغاء نظام الاحتكار هذا عام 1841 فإن آثاره بعد عشرين عامًا من إقراره كانت قد دمرت بشكل شبه كامل الطبقة الوسطى والعليا من الصناع في المدينة بشكل حد من تطور الطبقة البرجوازية المصرية أو الطبقة الوسطى. 

وقد تراجع محمد علي عن سياساته تلك مع نهاية ثلاثينيات القرن سامحًا للأفراد بالعمل في صناعة النسيج لقاء ضريبة قدرها 26 قرشًا عن كل نول وتتابعت عمليات فك القيود على أصحاب الصناعات والحرف حتى انتهت تمامًا عام 1850، ليبدأ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لكن مع بداية عهد انتهاء الاحتكار كان كثيرون من أصحاب الحرف قد انتقلوا بالفعل إلى مصاف فقراء المدينة وزاد الأمر سوءًا السماح بشكل غير منضبط بدخول السلع الأجنبية بكثافة مع بداية عهد سعيد باشا ولم يستطِع أصحاب الصناعات ممن استعادوا نشاطهم منافسة السلع المستوردة في جودتها أو أسعارها وبدأت مصر تستورد حتى الأقمشة المنسوجة من أوروبا في سبعينيات القرن التاسع عشر، وهو الأمر الذي تكرر مع أغلب الصناعات الحرفية ما أدى إلى تفتيت منظومة العمل المستقر الذي كانت تقوم عليه الطوائف الحرفية في مصر.[6]

وما زاد الامر سوءًا استفحال التضخم بعد الإنفاق الضخم الذي وجه في النصف الأول من القرن نحو التسليح والتصنيع لخدمة أغراض الجيش. فقد عرف سكان مصر وعلى رأسها القاهرة ما يمكن أن يفعله التضخم حقًّا. فمثلًا في عام 1837 ومع الانتصارات العسكرية لمحمد علي كان إردب القمح يصل إلى 51 قرشًا، ووصل بداية النصف الثاني إلى 80 قرشًا وفي عام 1865 وصل إلى 370 قرشًا!

لم يكن التضخم وحده ما يتسلح به الفقر وهو يهزم سكان المدينة، فما إن بدأت الطبقة العاملة تستعيد نسبيًّا توازنها وتحاول الإفلات من شبح الفقر حتى كانت الضرائب الباهظة التي فرضتها الدولة على أصحاب الحرف تطاردهم. فقد تعرضوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لأشكال متعددة من الضرائب والمكوس، وأول هذه العوائد هي عوائد الدخولية التي تم فرضها على السلع والبضائع المصرية، وعندما جاءت الأزمة المالية الطاحنة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر لم يجد الخديوي إسماعيل إلا فرض مزيد من الضراب على أصحاب المهن حتى أقلها دخلًا وشأنًا. وكان مما كتبته الليدي لوسي دوف جوردون في كتابها "رسائل من مصر" تصف أحوال القاهرة نهاية عام 1863 بعد تولي الخيديوي إسماعيل الحكم ب 11 شهرًا وكان طاعون الماشية قد هاجم المدينة والريف "كان هناك قدر كبير من المرض وأخاف ان يزداد بسبب دفن الناس مواشيهم في بيوتهم داخل المدينة، فالدفن خارجها يكلف 100 جرش وهو ما لا يملكونه والأيدي العاملة نادرة والطعام غال جدًا والشوارع قذرة ومن الصعب الحصول على المياه"[7] وتضيف ملخصة الامر قال لي أحد المصريين “نحن تأكلنا الضرائب أكلًا".

إسماعيل ووضع خطوط الفقر

في عهد إسماعيل لم تكن فقط أحوال فقراء القاهرة تعني أجورًا هزيلة وخدمات شبه معدومة وغزوًا أوروبيًّا بسلع رخيصة لأسواق فقيرة وصناعات أصبحت شبه بدائية، لكنه كان أيضًا عزلًا وتجاهلًا معماريًّا للمدينة القديمة بفقرها وحاجتها. حلم باريس الذي عاشه إسماعيل بشكل شخصي انتهى بعد سنوات بشبه إفلاس عام 1875 ثم احتلال عام 1882.

حلم "الإسماعيلية" بدأ وانتهى بعيدًا عن الفقراء والمدينة القديمة، ويقول جان لوك أرنو في كتابه "القاهرة مدينة حديثة 1877-1907" إن عقلية المقاول الحالم هي التي كانت تحكم ما شهدته المدينة من تغيرات.

نقل إسماعيل قلب المدينة وبؤرتها إلى الأزبكية وميدان العتبة وهو نفسه الحي الذي كان في القرن الثامن عشر حيًّا له طبيعته الخاصة كحي للأغنياء والأجانب وقناصل الدول. ثم انطلاقًا منه بدأ في تقسيم الإسماعيلية شرق النيل وشمال المدينة القديمة، حتى شبكة الطرق التي أنشأها كانت لخدمة مدينته الغنية. ويذكر أن شارع محمد علي الشارع الوحيد ربما الذي تم تجديده، وإحياؤه كان يهدف منه إلى ربط قصر ميدان العتبة الخضراء وقصر منصور باشا صهر الخديوي في باب الخلق.[8]

 فيما بعد وعقب توقف مشروعات التطوير لإفلاس الخديوي إسماعيل، وضعت بشكل واضح الحدود الفاصلة بين الحي الجديد الذي لم يكتمل والمدينة القديمة التي انغلقت على سكانها. بينما كانت حوافها جنوبًا وشرقًا تستقبل فقراء الريف الهاربين من الفقر والملاحقة. استقبلت المدينة بين عامي 1877 وعام 1897 حوالي 153 ألف مهاجر من الريف والصعيد. كتلة من فقراء الجنوب والدلتا الذين جاؤوا بحثًا عن أي فرصة عمل، فأضافوا إلى المدينة مزيدًا من الفقراء ودشنوا عشوائياتها التي ظلت تنمو حتى الآن. بينما كانت المدينة الغنية التي لم تكتمل، تنمو ببطء مستقبلة آلاف الأجانب الذين جاؤوا بعد الاحتلال. حتى إن البعض أطلق عليها حي الإفرنج ليظهر تقسيم طبقي آخر أكثر عنصرية يحمي حي الإفرنج من فقراء المدينة القديمة. ويذكر دكتور عبد السلام عبد الحكيم عامر في كتابه "طوائف الحرف في مصر 1805-1914 أنه كان من ضمن قرارات التنظيم منع تواجد أصحاب الحرف ونشاطهم في الحي الإفرنجي. وحظر دخول المتسولين فيه ومعاقبتهم في حال ضبطهم داخل حدوده التي خطتها شوارع إسماعيل كحدود بين العالمين، بينما يسمح به في أحياء الأسر المصرية باعتبار هذه الأسر فقيرة.[9]

ومنذ نهاية عصر محمد علي ورغم النهضة التعليمية التي قادها في التعليم لاخراج كوادر من الفنيين والموظفين الا انه تم التراجع عن هذا بعد 15 عاما فقط بعد تزايد اعداد الموظفين من أبناء البسطاء حتى لا يلتزم بتوظيفهم ونتيجة لهذا ومع منتصف القرن أغلقت المدارس الابتدائية الست التي كانت في القاهرة ولم تظل سوى مدرسة واحدة فقط وأقرت مصروفات مرتفعة تمامًا للالتحاق بها.[10] وأكمل الاحتلال الاجهاز على منظومة تعليم الفقراء في المدينة، فاللورد كرومر المعتمد البريطاني يتحدث عن رؤيته لمنظومة التعليم قائلا "الحكومة كانت تهدف في السنوات الأخيرة إلي غرض ذو شقين وهو نشر تعليم بسيط على نطاق واسع ينحصر في الإلمام بمبادئ اللغة العربية والحساب، والشق الثاني تعليم طبقة غنية متعلمة تعليمًا راقيًا ومتميزًا".[11]

 وضع الاحتلال بصماته الأخيرة علي حياة فقراء القاهرة، وكانت النتيجة أنه في عام 1897 كان 88% من الذكور أميين و99.5% من الإناث أميات.

 واصلت أسعار السلع ارتفاعها حتى في أساسيات السلع وعلى رأسها القمح الذي ارتفع أربعة أضعاف وأسعار الزيوت ضعفين والسكر مرتين، في حين كانت أجور العمال لا تزيد على قرشين في اليوم، وساعات العمل تتراوح من 13 إلى 17 ساعة. وبينما كان القرن التاسع عشر على وشك الرحيل كان هناك فقط 4 آلاف و297 من بيوت القاهرة البالغ عددها 55 ألفًا و597 تصلها المياه النظيفة. ويضيف محمد سيد كيلاني في كتابه "ترام القاهرة" أن هذه البيوت كان أغلبها من بيوت الحي الإفرنجي بينما تقطع المجاري المائية شوارعها الرئيسية وقد تحولت حوافها إلى مراحيض عامة لمدينة بلا صرف صحي وشوارع تتراكم على نواصيها أكوام القمامة وحواري مغلقة على بيوت لا تدخلها الشمس.[12]

[1]- خالد فهمي – السعي للعدالة.. الطب والفقه والسياسة في مصر الحديثة – دار الشروق –

2- الدكتور عاصم الدسوقي في كتابه (البحث في التاريخ قضايا المنهج والاشكاليات) مكتبة القدس 1987 صفحة 190 , مقولة ان محمد علي مارس احتكارا كاملا لكامل الصناعات ويشر ان هناك مجالات لم تخضع لهذا ومنها صناعة البلور ودباغة الجلود والاحزمة الطرابلسية.

[3] اندريه ريمون – الحرفيون والتجار في مصر في القرن الثامن عشر جزء 1 – المشروع القومي للترجمة

4- د. نبيل السيد الطوخي (طوائف الحرف في مدينة القاهرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر)

5- د. نبيل سيد الطوخي (طوائف الحرف في مدينة القاهرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر 1841-1890) الهيئة العامة للكتاب

[6] د. نبيل السيد الطوخي – المرجع نفسه

7- لوسي دوف جوردون – رسائل من مصر – دار الياسمين

8- جان لوك ارنو – القاهرة مدينة حديثة – المجلس الأعلى للثقافة 1877-1907

9- د. عبد السلام عبد الحكيم عامر – طوائف الحرف في مصر من 1805-1914

10- د. طلعت إسماعيل – الإدارة المصرية في فترة السيطرة البريطانية

11- المرجع السابق

12- محمد سيد كيلاني – ترام القاهرة – الهيئة العامة لقصور الثقاف