مراجعات

نجلاء عبد الجواد

قراءة في رواية طه حسين البكر "خِطبَة الشيخ"

2024.05.25

مصدر الصورة : آخرون

قراءة في رواية طه حسين البكر "خِطبَة الشيخ"

مخطئ من يظن أن مَعين طه حسين قد نضب وأن كل جديده قد قدمه قديمًا، فما زال إلى وقتنا هذا وبعد مرور حوالي 50 سنة على وفاته يقدم كل جديد ومحرض على التفكير وخلق وعي جديد متجدد. يتضح هذا جليًّا في أولى أعماله الإبداعية، روايته القصيرة "خِطبَة الشيخ"، التي كُتبت حتى قبل رواية زينب لـ محمد حسين هيكل، التي نشرت عام 1914، والمتعارف على أنها أول رواية عربية مصرية. لكن مع اكتشاف رواية طه حسين الجديدة، من خلال مذكراته وأرشيفه الشخصي، الذي احتوى على عديد من المقالات والقصص وهذه الرواية، يتضح أن رواية "خِطبَة الشيخ" كتبت على شكل حلقات نشرت بشكل دوري في جريدة "السفور" عام 1916، وأنها كتبت قبل نشرها بحوالي ثلاثة أعوام.

في عام 2015، نشرت دار الكتب والوثائق المصرية لأول مرة أعمالًا قديمة جديدة لـعميد الأدب طه حسين، تم جمعها من الصحف والمجلات بالإضافة إلى أوراقه الشخصية، كان طه قد كتبها وظلت طي النسيان في أرشيفه الخاص. كان من بين ما نشر رواية "خِطبَة الشيخ" وهي عبارة عن خمس عشرة رسالة نشرت في حوالي 70 صفحة من القطع الصغير، كل رسالة معنونة باسم المرسل والمرسل إليه، وفي نهاية كل رسالة تاريخ كتابتها وتوقيع صاحب الرسالة، وتوقيع طه حسين والمدينة التي كتبت فيها.

تعتبر الرواية سابقة في الشكل والأسلوب المتعارف عليهما في مصر والوطن العربي، فـجاءت على شكل رسائل متبادلة بين عدة شخصيات وهم أبطال الرواية: إحسان الخطيبة، وأبوها وصديقتها أسماء، وعلام الجيزاوي الخطيب، وصديقه زهران فتح الباب. 

الشكل والأسلوب كانا موجودين في الرواية الغربية الأوروبية، وجاء اطلاع طه حسين على هذا التكنيك الأدبي نتيجة تواجده في فرنسا لدراسة الدكتوراه بجامعة السوربون، وتمكنه من فهمه وإتقانه وتقديمه في شكل روائي عربي، لم يقابل بالرفض بل رحبت به الأوساط الأدبية، ونشر في جريدة السفور، تلك الجريدة التي كانت في بدايتها ويقوم على تحريرها عدد من أهم الكُتاب والصحفيين في ذاك الوقت. أمثال الصحفي عبدالحميد حمدي والأخوين علي ومصطفى عبدالرازق، وكل من الدكتور منصور فهمي باشا أستاذ الفلسفة، والدكتور محمد حسين هيكل، وكان رئيس تحريرها أحمد لطفي السيد.

تتناول الرسائل قضايا شائكة، كانت في تلك الفترة الزمنية غير معروضة للنقاش، لكن كعادة طه حسين لا يترك شيئًا إلا وكان له نصيب من النقاش والتفنيد والوصول بشكل واعٍ إلى ماهية حقيقته. ناقشت الرواية عمل المرأة وقضية تعليمها، كما ألقت الضوء على فكرة الزواج ومفهوم المجتمع له واتخاذه كعادة ضرورية لا غنى عنها، علاقة الأب بابنته "إحسان" وعلاقتها كـامرأة بالمجتمع، لكن أهم ما جاء في رسائل رواية "خِطبَة الشيخ" حديث طه حسين عن شيوخ الأزهر وقناعاته الشخصية، التي لا تعني بالضرورة أن تكون مرتبطة بتعليمه الديني وثقافته المتدينة المستمدة من أحكام القرآن وسنة الرسول الكريم، فشيخ طه حسين "علام الجيزاوي" -في روايته- شيخ وصولي يسعى إلى الثراء عن طريق زوجة تنتمي إلى أسرة ميسورة الحال لديها أطيان، وعلى قدر معقول من التعليم والثقافة المنفتحة على الآخر، حيث اللغة الإنجليزية والمدارس العامة غير الأزهرية المهتمة بالشعر والفلسفة والموسيقى والعلوم الاجتماعية.

كان الدافع وراء كتابة طه حسين لـ"خِطبَة الشيخ" هو رغبة ملحة في الانتقام من شيوخ الأزهر لما عاناه على أيديهم من جمود وفرض الرأي والرجعية وكره لثقافات الغرب واعتبارها إلحادًا ومؤامرة على الإسلام وقيمه وتعاليمه. ترك طه الأزهر وسافر للدراسة في السوربون سعيًا إلى الحصول على الدكتوراه، تعرف من خلالها على عالم آخر من الأساتذة، حيث النقد والانفتاح على ثقافات وعلوم متعددة، ما جعل عقله في حالة مقارنة دائمة بين شيوخ الأزهر وأساتذة السوربون. وظل جمود وفقر العلم والمعرفة وانتهازية عقل شيخ الأزهر عالقًا بعقل طه حسين، فعكف على كتابة روايته الأولى "خِطبَة الشيخ"، التي برع فيها طه حسين مستخدمًا لغته الخاصة وأفكاره التي رسخت داخل عقله نتيجة احتكاكه الطويل بالأزهر وشيوخه، ما جعل أبطال الرواية مجرد بوق يصدح بصوت طه وقناعاته الشخصية. 

يقول على لسان الشيخ علام الجيزاوي: "إن صهري رجل غني ضخم الثروة يملك خمس مئة فدان من أجود أطيان المنوفية وليس له إلا ابنته وغلامان غير صالحين، فأنت ترى أن حظ زوجتي من الميراث يكون عظيمًا وإن إيرادها لن ينقص في السنة عن ألف جنيه، فمتى كنت أحلم بهذه الثروة على أن في نفسي خاطرًا أكاشفك به الآن لأعرف رأيك فيه وهو أن صهري يستطيع، إذا أظهرت له رغبتي أن يَقف اطيانه على أولاده بشرط أن تكون قسمة الثروة بينهم متساوية، أي لا يكون للذكر كمثل حظ الأنثيين، وبذلك يكون نصيب زوجتي من التركة مئة وستة وستين فدانًا وثلثين أي إن إيرادها في السنة يزيد عن ألف وست مئة جنيه. ولست أفعل ذلك رغبة في تغيير النص أو العدول عن أمر القرآن والقرار في القسمة الشرعية، فإن الوقف كما تعلم مشروع وهو باب من أبواب الفقه ورخصة من رخص الشرع. وأنا أعتقد أن زوجتي أحق بهذه الثروة من أخويها لأنهما غلامان فاسدان ليس لهما دين ولا إيمان". 

وفي محاولة فاضحة يفسر الشيخ علام نصوص القرآن مع ما يتوافق ورغباته الخاصة محاولًا إقناع صديقه الشيخ زهران فتح الباب، بما يخالف شرع الله، فيقول له في رسالة أخرى: "إن هذا ضرب من الأثرة وحب النفس وأن الإسلام يخالف ذلك ولا يرضى به وأن الرجل المسلم حقًّا ينبغي أن ينفق حياته في نفع المسلمين أولًا والنوع الإنساني كله ثانيًا. ولكني أعتقد أن مذهبي لا يخالف الإسلام، فإن الرجل إذا طلب منفعته الخاصة بوجه مشروع، لم يزد على أن خدم الأمة كلها، إذ إن منفعة الأمة ليست إلا مجموع المنافع الشخصية ولا شك في أن كل فرد إذا قصر في منفعته الشخصية يسيء إلى المنفعة العامة. بناءً على هذا المذهب نستطيع أن نتفق فيما حدثتك فيه من مشروع الزواج. تقول إن هذا الوقف الذي أنص عليه ليس إلا فنًّا من فنون الحيلة وأن علماء المسلمين قد ذموا الحيلة في الدين وأنذروا من ذهب إليها بالعذاب الشديد، وأنا أعتقد أن هذه الحيلة التي أحتالها أقرب إلى النفع منها إلى الضرر وأن الحيلة المذمومة في كتب العلماء إنما هي التي تجر شرًّا أو تستتبع ضررًا. وكيف تنكر ذلك وأنت لا تستطيع أن تنكر أني وزوجتي أحق بالحياة ولذاتها من هذين الشابين اللذين لا يصلحان لشيء. أفيأمر الله عز وجل أن نترك إليهما ثروة واسعة يبددانها في إرضاء أهوائهما وشهواتهما من غير مراقبة ولا حساب."

نرى طمع علام وانتهازيته التي يصرح بها دون خجل أو مواربة ولكن بتبجح يكشف عن مدى استهتاره بنصوص القرآن وأحكام الشرع والتبرير والتحريف لتحقيق مصلحة شخصية.

كما يناقش طه حسين مسألة الزواج من وجهة نظر المرأة من خلال الرسائل المتبادلة بين إحسان الخطيبة وصديقتها أسماء فيقول على لسان أسماء: "يزعمون -ولهم الحق- أن الزواج أساس الاجتماع، أفليس يجب إن أردنا إصلاح هذا الاجتماع أن نقيمه من الزواج على أساس متين، إذن فالزواج عندنا أوهن من بيت العنكبوت، تزف الفتاة إلى زوجها اليوم لتفارقه متى شاء وشاء له الهوى من غير أن يكون لها في ذلك رأي ولا اختيار. لا أنظر إلى الزواج نظر أصحاب الأخلاق وعشاق المثل الأعلى من الفضيلة ولا أرى من الحق على القانون أن لا يقر الزواج إلا أن يكون الحب دعامة له، فإن الحب -كما يقول الشعراء- طائر لا يعرف القانون ولا يقع إلا حيث أراد، وحين يحلو له الوقوع. ولكني أنظر إلى الزواج نظرًا وضعيًّا خالصًا وأرى أنه عقد شركة بين الزوجين قد قام على الإلزام والالتزام كغيره من العقود. أفمن العدل إذن أن يكون للرجل وحده أن ينقض هذا العقد متى شاء فإذا أرادت المرأة نقضه قام العرف وأنصاره ونهض القانون ومنفذوه لردها إلى الطاعة وقهرها على الخضوع؟! فمعذرة إليك يا إحسان فإني أعاف الزواج كما هو في بلدنا وأرى للفتاة المتعلمة إذا قدرت نفسها قدرها أن تترفع عنه ولا تميل له."

يعد نقاش طه على لسان أسماء لموضوع الزواج في ذلك الوقت وبهذه الطريقة سابقًا لعصره وجديدًا في طرحه. لا أعتقد أن شخصية أسماء كانت موجودة فعليًّا في تلك الفترة، لكنها كانت موجودة في عقل طه الذي رأى امرأة أخرى غير التي عرفها، امرأة فرنسية لها حقوق تستطيع اختيار زوجها، تقابله أكثر من مرة حتى تقرر هل يصلح زوجًا أم لا. هذا جعل طه يطرح الأسئلة ويثير الشكوك ويناقش قضايا مسكوتًا عنها في وقت كتابة الرواية، أصبحت في زمن متقدم مسار قضايا وحركات سياسية واجتماعية وثقافية وفنية وستسن لها القوانين والتشريعات.

وعن مشروعية الزواج يقارن طه شرائعه المختلفة بلغة وعلم المطلع المتبحر في ثقافات الشعوب، وهنا يستنطق طه حسين إحسان الخطيبة، بمعرفته هو وعلومه الخاصة، فتقول إحسان ردًّا على سؤال خطيبها الشيخ علام: "تسألني عن مشروعية الزواج وأحسبك تريد أن تسأل عن الحكمة من شرعه للناس فأنا أعترف بأني لم أفهم لأول وهلة كلمة المشروعية فإنها كما قيل لي كلمة مقصورة على اصطلاح الفقهاء، وأنت تعلم أني لم أدرس من الفقه شيئًا. مع أن من العسير على فتاة غرة لم تفارق الكتاب ولم تدرس الحياة أن تتحدث في أمر الزواج وأن تتحدث فيه إلى شاب، وإلى شاب قد زعموه لها خاطبًا، فإني متحدثة إليك برأيي فيه لا أخفي عليك منه قليلًا ولا كثيرًا. لا أدري متى شرع الزواج ولا أعرف له شارعًا وما أرى إلا أنه قانون من قوانين الفطرة وظاهرة من ظواهر الاجتماع، فإني لا أعرف أمة قديمة ولا حديثة بادية ولا حاضرة إلا ولها من الزواج شكل يلائم بيئتها ويأتلف مع ما يختلف عليها من المؤثرات. أمة تعدد الزوجات وأمة تعدد الأزواج وثالثة لا تعدد أولئك ولا هؤلاء. شعب يبيح الطلاق وشعب يحظره وثالث يجعله بيد المرأة ورابع يجعله بيد الرجل وخامس يجعله بيد القضاء. أولًا يدل هذا على ما أزعم من أن الزواج كغيره من الظواهر الاجتماعية ليس إلا قانونًا من قوانين الفطرة ينشأ مع الجماعة ويتبع ما تمر به في أطوار حياتها من الرقي والانحطاط".

"أعلم أن القانون والدين يتناولان الزواج بضروب من الإصلاح لتلغي منه وتضيف إليه. ولكني أرى وأحسب أني مصيبة أن الدين والقانون كالأدب والشعر ليس إلا صورة تمثل ما تحرص عليه الأمة من حياتها الماضية وما تأمله وتسمو إليه في حياتها المقبلة. أفترى هذا الرأي أم أنت له نابذ وعنه عادل؟" 

وعن تعليم المرأة يسجل طه على لسان الشيخ زهران، صديق الشيخ علام، في رسالة أرسلها إليه ضيق الأفق والرجعية وبغض للأجانب ورؤية علومهم على أنها ضد الشرع وتسعي إلى النيل من الدين الإسلامي، وأن المرأة التي تتعلم اللغات الأجنبية بالتأكيد ستكون فريسة سهلة للإلحاد والكفر. وأن المرأة يجب أن يقتصر تعليمها على التعليم الديني فقط، ودون ذلك فالجهل أفضل لها. فيقول: "أما أن زوجتك متعلمة تعليمًا حديثًا فتلك مزية أهنئك بها على شرط أن لا يكون تعلمها الحديث سبيلًا لخروجها عليك واعتقادها في نفسها المساواة لك. فإنك تعلم أن المراة المتعلمة في هذه الأيام لا تريد أن يكون بينها وبين الرجل فرق، وقد قال الله تعالى: "والرجال قوامون على النساء"، وقال: "وللرجال عليهن درجة". ولست أنكر أن المرأة من حقها أن تتعلم وكيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في عائشة رحمة الله عليها: خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء. وإنما أريد أن تتعلم تعليمًا دينيًّا لتكون زوجًا صالحة وأمًّا قادرة على أن تربي أولادها تربية دينية طيبة، فأما هذا التعليم الحديث فإنه يبعد ما بين المرأة وبين الدين، لا سيما تعلم اللغات الأجنبية، فلو أنها تعلمت اللغة العربية لحسن الأمر ولكنها تتعلم اللغة لتقرأ ما كتبه الأوروبيون من الطعن في الديانات، ولا سيما في الإسلام. ومن حيث إننا قد درسنا في الأزهر ووقفنا أنفسنا على خدمة الدين والدفاع عنه فأرى من الواجب علينا ألا نتزوج إلا امرأة صالحة ليست خطرة على الدين. ولعمري إن المرأة الجاهلة لأسلم عاقبة من المرأة المتعلمة تعلمًا حديثًا، فإنها مطيعة سامعة تقبل منك كلما تقول ولا تلبث أن تصير مؤمنة إذا علمتها وهذبت نفسها."

فيرد عليه الشيخ علام في رسالة أخرى: "أما عن وجوب الزواج بامرأة دَيِّنة صالحة واجتناب فتيات هذا العصر فلا أوافقك عليها لأني أؤثر فتيات هذا العصر على النساء المتدينات بل لأني أعتقد أني أقدر بمعونة الله على أن أرد زوجتي الملحدة إلى الدين وأرى أن في ذلك من الجهاد وحسن البلاء شيئًا غير قليل، أوَ ليس إقناع الملحد بالعودة إلى الدين أشق وأصعب من تعليم الجاهل دينه. أوَ ليس الرجل إذا استطاع أن يرد ملحدًا إلى دينه قد استوجب أجر المجاهد الذي يحمل الكافر على الإسلام. إذن فلا تصدني عن هذه السبيل فإنها سبيل جهاد وفلاح". 

يقدم طه حسين صورة الأب مختلفة تمامًا جديدة بمعايير وقت كتابة الرواية، فنجد أبًا متفتحًا محبًّا لابنته يتناقش معها ويترك لها فرص الاختيار لا يجبرها على شيء لكنه يقدم إليها النصائح وخبرة السنين، ففي رسالة الأب لابنته إحسان يقول: "كنا في أيامنا الماضية نرهب آباءنا ونرى لهم علينا حق الطاعة المطلقة لأنهم كما "زعم لنا العرف" قد منحونا الحياة وأسدوا إلينا نعمة الوجود فلا جرم كان من العقوق وكفر النعمة أن ننكر عليهم أمرًا أو نرد لهم قضاء، أما الآن فقد تغير العرف واستحالت الحال وأصبح ابن العصر يرى أباه مدينًا له بكل ما يحتاج إليه طفلًا وشابًّا، حتى إذا بلغ أشده واستقل بأمره حيَّا شاكرًا وانصرف عنه راضيًا مسرورًا.

"ليكن هذا الرأي حقًّا أو باطلًا، لن أؤمن به ولن أراه لي رأيًا وإن كنت قد أخذت نفسي بالإذعان له لأنه صاحب الدولة والسلطان ولقد بعثتك يا ابنتي إلى المدرسة وأنا أعلم أنها ستبعد مسافة الخُلف بيني وبينك في فهم الحياة وتدبرها، فأنا أجني الآن ما غرست يداي غير آسف له ولا نادم عليه."

إن رواية "خِطبَة الشيخ" رواية كتبها طه حسين لصب غضبه على شيوخ الأزهر وسخريته من جمود عقولهم وتلاعبهم بالشرع لتحقيق أغراض شخصية. لغة الرواية مزدحمة بالخطابة، لغة خاصة بشيوخ الأزهر، بها كثير من السجع والإطناب. ينطق بها كل شخوص الرواية سواء كانوا محسوبين على الأزهر أو لا ينتمون إلى مؤسسته، فاللغة لغة طه حسين وليست لغة أبطال الرواية، كما أن الأفكار ومحاور الرواية هي قناعات طه يكتبها مباشرة على هيئة رسائل متبادلة بين أبطال روايته.

الرواية في الشكل والأسلوب تعتبر سابقة في نوعها على القارئ العربي. رغم ذلك جانبه الصواب في أن جعل صفحات روايته مناظَرة تهكمية ساخرة من شيوخ الأزهر، ثأرًا وانتقامًا من غريمه القديم، أستاذه الشيخ محمد المهدي، الذي كان سببًا في حرمانه من نيل درجة الدكتوراه بتقدير امتياز ومنحه الدرجة بتقدير جيد جدًّا. وأكاد أزعم أن هذه إحدى كبوات الفارس التي طالما حاول أن يمحوها، ولكن الكلمة التي يخطها قلم العميد تبقى تقرأ وتفحص وتثير الجدل وتخلق وعيًا بعد وعي.