هوامش
عمرو جمالماذا يحدث في فرنسا؟
2024.07.13
تصوير آخرون
ماذا يحدث في فرنسا؟
على عكس ما اعتقده الكثيرون وعلى عكس ما راهن عليه ماكرون، كوَّن اليسار الفرنسي سريعًا حلفًا سياسيًّا واسعًا باسم "الجبهة الشعبية الجديدة"، بل وانتصر بشكل مفاجئ في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية.
أثلجت هذه النتائج صدور الكثيرين، وهي بالتأكيد نتائج مفرحة لأن حصول تيار ماكرون على المرتبة الثانية في تلك الانتخابات يعني تجنب خطر اليمين المتطرف ولو مؤقتًا.
لكن علينا أن نتريث قليلًا، فالقصة أكثر تعقيدًا من هذا.
ولنبدأ من البداية.
كان الرئيس الفرنسي ماكرون قد قرر حل البرلمان بعد نتيجة الانتخابات الأوروبية التي شهدت انتصارًا كبيرًا لليمين المتطرف. حيث استحوذ حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقًا) على 31،37% من الأصوات، في حين فاز "المعسكر الرئاسي" على 14،6% من الأصوات.
بهذا القرار الرئاسي دخلت فرنسا في فوضى سياسية فريدة من نوعها، نتيجة لأزمة الرأسمالية الفرنسية والأزمة السياسية المستمرة منذ سنوات. حيث تتشكل التحالفات وتتفكك سريعًا، واليمين المتطرف على أبواب السلطة بعد فوزه في الانتخابات الأوروبية، وبعد فوزه في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية يوم الأحد 30 يونيو 2024 بنسبة بالكاد تقترب من 34% من الأصوات .
كانت حجة ماكرون في حله للبرلمان هي رغبته في تكوين برلمان يعبر عن الإرادة الشعبية حيث قال: "عندما يصوت 50% من الفرنسيين للمتطرفين، وعندما يكون لديك أغلبية نسبية في البرلمان، فلا يمكنك أن تستمر في الحكم وكأن شيئًا لم يحدث". وأضاف رئيس الدولة: "إذا فعلت ذلك، فهذا يعني أنني لا أحترم الشعب ولا أستمع إليه".
لكن خلف هذه الكلمات المليئة بالحب للديمقراطية والشعب الفرنسي، تكمن حسابات سياسية محفوفة بالمخاطر.
بالنسبة إلى بعض التحليلات، يريد ماكرون أن يستغل صدمة صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية وصدمة حل البرلمان، لجعل الفرنسيين يلتفون حوله ويدعمونه خوفًا من اليمين المتطرف، ما سيعيد تشكيل البرلمان بانتخابات مبكرة والسيطرة عليه[1]. أما بعض المحللين الآخرين، فيرون أن ماكرون حل البرلمان لفضح حدود حزب يميني متطرف لم يكن في السلطة من قبل.
لكن باسكال بيرينو يرى أن فضح حزب التجمع الوطني قد لا يحدث، حيث قال: "أصبح بومبيدو رئيسًا لفرنسا بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء".
على كل حال، فاز اليمين المتطرف بالجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، وفاز تحالف اليسار الواسع بالجولة الثانية والنهائية من الانتخابات التشريعية بشكل مفاجئ.
هذه النتائج دليل على فشل تيار ماكرون في احتواء الأزمة، وبداية تفككه وانهياره كما انهار الحزب الاشتراكي واليمين "التقليدي" قبله. وهذا الانهيار منطقي حيث تسببت عقود من تطبيق السياسات النيوليبرالية، وتفكيك الخدمات العامة (ولو جزئيًّا)، وعنف الدولة ضد الطبقات الشعبية لاحتواء الغضب الذي خلقته السياسات النيوليبرالية إلى انهيار شعبية الحزبين اللذين حكما فرنسا في العقود الماضية (اليمين "التقليدي" واليسار الوسطي، وكلاهما خادمان لتلك السياسات).
الآن، يشتكي ماكرون وتياره الحاكم "الوسطي" النيوليبرالي بصعود التطرف (اليمين واليسار الراديكالي)، بينما هو نفسه الذي تسبب في ذلك مع إعفاءاته الضريبية لأغنى الفرنسيين، وعنف الدولة المتصاعد (أزمة السترات الصفراء، إلخ) والأزمات والفضائح المتتالية (أكثر من عشرين فضيحة حكومية منذ توليه الرئاسة في 2017) واحتقاره الظاهر للفرنسيين بفجاجة في خطاباته.
لكن كما قال رجل الدين المسيحي الفرنسي جاك بينين بوسويه: "إن الله يسخر من الرجال الذين يتذمرون من العواقب وهم يعشقون أسبابها".
وضع اليسار الفرنسي
لكن علينا أن نتريث قليلًا قبل أن تنسينا نشوة انتصار تحالف اليسار في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية أن هذا التحالف، وبسبب طبيعة تكوينه كيسار واسع، محفوف بالتناقضات الداخلية. فهو مكون من تيارات "يسارية" إصلاحية مثل الخضر أو تيارات طبقت سياسات نيوليبرالية عندما حكمت بالفعل مثل الحزب الاشتراكي أو من أحزاب أصبحت أكثر يمينية في العقود الأخيرة مثل الحزب الشيوعي.
وعلى الجانب الآخر، فهذا التحالف مكون أيضًا من أحزاب أكثر راديكالية مثل فرنسا الأبية أو الحزب الجديد المضاد للرأسمالية.
حزب فرنسا الأبية هو أقوى تيار داخل هذا اليسار الواسع بسبب قاعدته الجماهيرية ولأنه استحوذ على 77 مقعدًا من أصل الـ182 التي فازت بها "الجبهة الشعبية الجديدة".
لكن كما يقول المحلل هوجو ترافير، لم تستحوذ فرنسا الأبية على "الأغلبية المطلقة" داخل "الجبهة الشعبية الجديدة"، وهذا يعني أن هناك "أزمة هيمنة على اليسار الواسع" كما يقول بعض الماركسيين، أي إن الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي (الذي استطاع أن يعيد بناء نفسه في تلك الانتخابات) والخضر أقوى معًا من فرنسا الأبية.
ورغم أهمية هذا التحالف لمواجهة اليمين المتطرف والسياسات العنيفة للتيار الحاكم، فإن أزمة الهيمنة داخل تحالف اليسار تولد نزعات يمينية في أوساطه، مثل ترشح وجوه مكروهة من قبل الفرنسيين (مثلًا: الرئيس السابق فرنسوا هولاند) في الانتخابات التشريعية، أو مثل تبني برنامجًا إصلاحيًّا ضعيفًا لا يواجه حقًّا الوضع الحالي.
فكما تقول الجريدة الماركسية ثورة: "إن قادة حزب فرنسا الأبية مسؤولون أيضًا عن الديناميكيات الانتخابية الحالية. لقد أثبتوا أنهم غير قادرين على الانفصال عن الجناح اليميني للإصلاحية. ويشهد برنامج الجبهة الشعبية الجديدة على ذلك. فهو أكثر اعتدالًا من برنامج الـ[2]Nupes، الذي يمثل في حد ذاته خطوة إلى الوراء مقارنة ببرنامج فرنسا الأبية في عام 2022."
إنه تراجع حقيقي وملحوظ. فكما يقول بول موراو: "تم تفكيك العديد من مطالب الـNupes تحت ضغط من الحزب الاشتراكي والخضر، حيث سُحب أكثر من 500 مقترح في عام 2022 مثل "حق الفيتو على خطط التسريح من العمل"، و"تأميم بعض البنوك العامة" أو إمكانية "تشكيل لجان تحقيق في عنف الشرطة".
كذلك، رفضت عمليات التأميم الهزيلة جدًّا التي اقترحتها الـNUPES في عام 2022، مثل تأميم عدد قليل من المطارات والطرق السريعة، إلخ. وأيضًا سحب قانون El Khomri الذي وضعه الحزب الاشتراكي (وهو قانون لـ"إصلاح" قانون العمل سانده الرأسماليون ورُفض من اليسار الراديكالي). إذ كان يقترح البرنامج إلغاء أحدث الهجمات النيوليبرالية التي شنها نظام ماكرون على معاشات التقاعد أو التأمين ضد البطالة أو دخل التضامن الاجتماعي.
وفيما يتعلق بالقضايا الرئيسية المستقبلية مثل الحرب في أوكرانيا، يدافع البرنامج بوضوح عن تسليم الأسلحة، ولا يوجه أي انتقاد إلى حلف شمال الأطلسي.
بدأ ميلانشون وحزبه بالضغط على ماكرون. حيث قال: "على رئيس الجمهورية أن يدعو الجبهة الشعبية الجديدة إلى الحكم"، ووعد أوليفيه فور المنتمي إلى الحزب الاشتراكي بأنه لن تكون هناك "تحالفات متناقضة"، أي إن حلف اليسار الواسع سيبقى متماسكًا. ولكن إلى أي مدى؟
لقد ذكرنا قبل قليل أن هذا الحلف شديد التناقض، وأن التيارات الإصلاحية أقوى معًا من التيارات الأكثر راديكالية. تلك التناقضات ستعزز من النزعات اليمينية والإصلاحية داخل الحلف.
وفي هذا السياق أعلن ميلانشون عن إمكانية الحكم بالقرارات التنفيذية، أي تمرير القوانين أو تعديلها بدون المرور بالطريق التشريعي الطبيعي. بهذه الطريقة، من الممكن إلغاء أو مراجعة القوانين النيوليبرالية الأخيرة التي أفادت البرجوازية.
لكن الحقيقة هي أن حزب فرنسا الأبية والأحزاب الأكثر راديكالية سيواجهون ضغطًا شرسًا من قبل البرجوازية واليمين المتطرف (الذي يعبِّر جزئيًّا عن أجنحة من البرجوازية) من أجل التنازل عن تلك القرارات وعن برنامجها الإصلاحي من الأساس. عدم استحواذ أي تيار على الأغلبية المطلقة سيعزز في رأينا التناقضات داخل التكتلات الحزبية والتحالفات مع الأحزاب "الوسطية" النيوليبرالية.
نرى كما يرى البعض أن حل اليسار يكمن في تكوين ديناميكية اجتماعية وجماهيرية تتخطى التحالفات بين الأجهزة السياسية، وتشجيع التدخل النشيط للحركات الاجتماعية (النقابات والجمعيات) كما حدث في الثلاثينيات من القرن الماضي عندما استغل العمال وجود الجبهة الشعبية لفرض إضرابات أعطت حقوقًا للفرنسيين يستمتعون بها بشكل أو آخر حتى الآن، مثل تقليل ساعات العمل إلى 40 ساعة أسبوعيًّا أو إقرار إجازة مدفوعة الأجر لمدة أسبوعين.
وهكذا تبقى كل السيناريوهات مفتوحة، حتى استقالة رئيس الجمهورية بسبب ضعف موقفه. وهناك بالتأكيد تيارات داخل الأحزاب اليسارية مستعدة للتحالف مع أمثال ماكرون وغيره. وحتى إذا لم يحدث هذا، فعلينا أن لا ننسى أن العدو الأول للبرجوازية والتيارات السياسية التي تدعمها أو تمثلها بشكل أو بآخر (أي الكتلة الليبرالية السلطوية، التي تتراوح من اليمين المتطرف إلى الليبراليين الاجتماعيين) هو اليسار "الراديكالي"، حتى مع ميوله الكينزية مثل فرنسا الأبية. لقد قُتلت الشيوعية روزا لوكسمبورغ على يد الاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا. يتعين على حزب فرنسا الأبية وأحزاب اليسار الراديكالي أن يتوخوا الحذر.
لماذا صعد اليمين الراديكالي الفرنسي؟
استحوذ اليمين المتطرف على أكثر من 120 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، مقابل 89 في 2022. هناك صعود ملحوظ لليمين المتطرف في فرنسا.
يسأل الكثيرون عن أسباب هذا الصعود. ورغم أن هذا الموضوع يستحق مقالًا كاملًا، فسوف نحاول شرح أهم الأسباب التي ساعدت على صعود تلك الحركة السياسية.
يرجع أول سبب إلى صعود القطاع الخدمي في فرنسا على مدى العقود الأخيرة. وقد أدى صعود هذا القطاع إلى تفكيك قطاعات صناعية ضخمة، تجمع آلاف العمال الصناعيين بتقاليدهم ونمط حياتهم وأحيائهم السكنية. وهو يعني أيضًا تقلص دور النقابات في النضال الاقتصادي/السياسي.
توضح وزارة العمل الفرنسية مثلًا أن نسبة الانضمام إلى النقابة تقلصت بنسبة 10% بين عام 1975 و2016، حيث كانت نسبة المشاركة في 1975: 20% وأصبحت الآن حوالي 10%[3].
واستمرارًا لهذه الفكرة يمكننا القول إن العولمة، وهي الظاهرة الاقتصادية التي دفعت إلى تفكيك التصنيع في قطاعات كاملة من اقتصادات أوروبا الغربية، تؤدي أيضًا إلى صعود اليمين عامة في المجتمعات المذكورة، بل وحتى إلى صعود اليمين المتطرف.
يعود هذا الصعود لليمين المتطرف أيضًا إلى الهزيمة التاريخية لمعسكر الاشتراكية واليسار عمومًا، مع انتصار العولمة الرأسمالية على المستوى السياسي ونشر مبادئها على المستوى العالمي.
أيضًا، يمكننا ربط صعود اليمين المتطرف في فرنسا بصعود السياسات النيوليبرالية في العقود الماضية الممتزج بأزمة الرأسمالية الفرنسية كما أشرنا أعلاه.
كل هذا يخلق غضبًا اجتماعيًّا وكبتًا سياسيًّا ومناخًا سياسيًّا محفزًا لليمين المتطرف[4]. يشبِّه مثلًا الفيلسوف فريديريك لوردون في مقاله فرنسا بأكملها بالـFury room، المعروفة أيضًا باسم غرفة التحطيم أو غرفة الغضب، وهي غرفة يمكن للأشخاص فيها التنفيس عن غضبهم من خلال تدمير الأشياء. يقول لوردون الآتي: "لماذا يستفيد دائمًا اليمين المتطرف من الاضمحلال الرأسمالي؟ لأن اليمين المتطرف يشكل اقتراحًا سياسيًّا عنيفًا في جوهره. هذه هي ميزته في حالة أزمة عضوية. ما يقترحه اليمين المتطرف سياسيًّا هو ذريعة لكل أنواع العنف الفردي، وسوء المعاملة، والاستياء، والإذلال، الحقيقي أو الخيالي. تريد الناس اقتراحًا سياسيًّا عنيفًا لأنه حل للتوترات التي يعيشونها. بطريقة معينة قدمت النيوليبرالية، التي هي السبب البنيوي لكل هذه الاضطرابات، اكتشافًا تافهًا ولكن رمزيًّا جدًّا، وهو غرفة الغضب. إنها مساحة توفِّر للمديرين التنفيذيين المرهقين المتوترين مكانًا يُسمح لهم فيه بتدمير كل شيء لتفريغ غضبهم. كما نعلم، كسر كل شيء من أجل التنفيس، يعبر عن العجز. علاوة على ذلك، فإن المدير التنفيذي سيئ الحظ، بعد تدمير دمية رئيسه أو مكتبه، يعود إليه ليعمل. نظرًا إلى عجزه عن إصلاح أو فهم وضعه، يُمنح الفرد حلًّا على شكل رد فعل وعن طريق مهاجمة كائن آخر، من دون أي صلة بوضعه. لقد أخذت النيوليبرالية الآن هذا الاكتشاف من نطاق صالة الألعاب الرياضية في الحي إلى أبعاد بلد بأكمله، وحولت الأزمة العضوية للرأسمالية النيوليبرالية البلاد بأكملها إلى غرفة غضب.
هناك إذًا علاقة بين تفاقم أزمة الرأسمالية الفرنسية وتطبيق السياسيات النيوليبرالية لمدة عقود من ناحية، وصعود اليمين المتطرف من ناحية أخرى. لكن هناك أيضًا عملية تكوين حلف طبقي سياسي بين "الوسطيين" الذين يحكمون فرنسا مع الرئيس ماكرون (وهم نيوليبراليون اقتصاديًّا) واليمين المتطرف. هذا ما يسميه الكاتب فرنسوا بيجودو بـ"الكتلة الليبرالية السلطوية". وهذا الحلف يساعد على صعود اليمين المتطرف في فرنسا.
هناك في التاريخ تحالفات شبيهة مثل تحالف النازية بوسط رجال الأعمال في ألمانيا، أو شعار تاريخي شهير في فرنسا وهو "هتلر بدلًا من الجبهة الشعبية[5]"، الذي يعبر عن تفضيل الرأسماليين لليمين المتطرف على اليسار، الذي تؤكد عليه أعمال عديدة مثل أعمال المؤرِّخة آني لاكروا ريز، التي تثبت وجود روابط بين النخب الاقتصادية الفرنسية، والنازية في الثلاثينيات.
هذه التحالفات ليست غريبة وتحدث الآن في فرنسا رغم ادعاءات المعسكر "الوسطي" البرجوازي والماكروني بمحاربته "للتطرف". فـ"الراديكالية" التي تحارب بالفعل هي راديكالية اليسار[6]. هكذا مثلًا، يتعرض جان لوك ميلاينشون وحزبه للهجوم يوميًّا في العديد من القنوات التلفزيونية والصحف (المملوكة لرجال أعمال) بأنهم متطرفون سيدمرون فرنسا عن طريق "دعمهم للهجرة" أو عن طريق برنامجهم الاقتصادي، وبأنهم يدعمون الإرهابيين ويدعمون حماس، وأنهم معادون للسامية، وأن ميلاينشون دكتاتور وبرنامجه غير قابل للتنفيذ، وسيحول فرنسا إلى فنزويلا، إلخ.
في الوقت نفسه كما قلنا، تقترب النخب الاقتصادية الفرنسية من اليمين المتطرف وتساعده في صعوده وقبوله من قبل العامة، والأمثلة تعد ولا تحصى. على سبيل المثال، تحالف إيريك سيوتي -رئيس حزب اليمين "التقليدي" (القريب من رجال الأعمال)- مع اليمين المتطرف بعد حل البرلمان مباشرة، ما سبب أزمة داخلية للحزب. وذلك لأن اليمين المتطرف قريب اقتصاديًّا من مصالح شرائح من البرجوازية. فهو ليبرالي تمامًا على المستوى الاقتصادي، ويؤمن بحرية السوق والتجارة والملكية الخاصة.
مثلًا التقى رئيس الوزراء المحتمل اليميني المتطرف (جوردان بارديلا) الـMEDEF (جمعية أرباب العمل الفرنسية) من أجل "طمأنة" مجتمع الأعمال، ورفض التجمع الوطني أيضًا زيادة الحد الأدنى للأجور دعمًا للرأسماليين. من الممكن أيضًا أن يتفقوا على قضايا يدعون أنهم مختلفون فيها، مثل وصف وزير الداخلية الماكروني مارين لوبان بأنها "متساهلة" بشأن الهجرة. أما بعض القنوات الإخبارية[7] المملوكة للرأسماليين مثل قناة CNEWS المملوكة لرجل الأعمال بولوريه، فهي تنشر أفكار اليمين المتطرف طوال الوقت.
هناك إذًا عدة عوامل ساعدت على صعود وتعزيز اليمين المتطرف في فرنسا. ومع فوز هذا التيار في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، نرى كما يقول البعض إن ماكرون خسر -حتى الآن- رهانه، حيث أن تلك الأزمة السياسية أسرعت عملية تفتيت الكتلة الحاكمة وأضعفت موقفها.
تقول جريدة ثورة: "مقارنة بعام 2022، بلغ إجمالي أصوات اليمين المتطرف 5.2 مليون صوت، وزاد بين عامي 2022 و2024، بمقدار 5.7 مليون صوت. من جهته، جمع حلف اليسار الواسع (الـNupes) 5.8 مليون صوت في عام 2022 وجمعت الجبهة الشعبية الجديدة 9 ملايين صوت هذه المرة. وبالتالي، تقدم "اليسار الموحد" بنحو 3.2 مليون صوت، في حين زاد اليمين المتطرف بنحو 5.7 مليون صوت. فالفرق واضح جدًّا بين ديناميكيات اليسار وديناميكيات اليمين المتطرف، لصالح الأخير."
وفي هذا السياق يطرح بعض المحللين عدة سيناريوهات، مثل حدوث شلل تام في البرلمان بسبب عدم انتصار أي كتلة سياسية في الانتخابات، أو فوز اليمين المتطرف بشكل نسبي أو مطلق، أو فوز نسبي للجبهة الشعبية الجديدة أو أغلبية للمعسكر "الوسطي" الماكروني.
على كل حال، يعتبر حل البرلمان والغليان السياسي الناتج عنه مرحلة جديدة في الاستقطاب المتزايد في البلاد. يتحدث البعض مثل ماكرون (وهو سبب مهم في استقطاب البلاد) أو زمور، عن "حرب أهلية" (رغم أن زمور يتمناها أكثر من أي شيء آخر في رأينا).
بالطبع، الوضع الفرنسي الحالي لم يصل بعد إلى حد الحرب الأهلية، على الرغم من رغبة البعض. ولكن الاستقطاب السياسي سوف يتسارع، وكذلك الصراع الطبقي. يجب على اليسار أن يكون قادرًا على التوحد، لكن ليس فقط ضد اليمين المتطرف، بل وأيضًا ضد الرأسمالية ونسختها النيوليبرالية.
إن لعبة تحالفات الأجهزة السياسية من أجل وقف اليمين المتطرف في الانتخابات تبدو كل مرة على شفا الانهيار، حيث يقترب اليمين المتطرف أكثر فأكثر من السلطة مع كل مناسبة انتخابية.
الآن تبدو كلمة الكاتب اليميني المتطرف "ألان سورال": "من هزيمة إلى هزيمة حتى النصر" أقوى من أي وقت مضى.
1- حيث فاز تيار ماكرون السياسي بأغلبية نسبية في الانتخابات التشريعية السابقة.
3- الأرقام المستخدمة هي أرقام عام 2017، لكن معدل الانضمام إلى النقابات المشار إليه في عام 2019 لا يزال حوالي 10٪ كما هو موضح في هذا الرابط.
4- علينا أن لا ننسى أن أحد أسباب صعود اليمين المتطرف تطبيق اليسار الفرنسي الديمقراطي الاجتماعي سياسات نيوليبرالية أدت إلى انهيار للحزب الاشتراكي وتشويه سمعة اليسار ولو جزئيًّا عند بعض قطاعات المجتمع.
5- وهو تحالف في ثلاثينيات القرن الماضي مكون من حركات اليسار مثل الحزب الشيوعي الفرنسي والحزب الراديكالي الفرنسي من أجل محاربة صعود الفاشية وتطبيق سياسات اشتراكية في نفس الوقت.