غزة تقاوم

رضوان القماش

ازدواجية المعايير في الإعلام الفرنسي وفقدان المعايير الأخلاقية والإنسانية والمهنية

2024.01.04

مصدر الصورة : AFP

 غزة تقاوم

ازدواجية المعايير في الإعلام الفرنسي  وفقدان المعايير الأخلاقية والإنسانية والمهنية

أدانت كل الدول الأوروبية وفرنسا ما حدث في ٧ أكتوبر من أعمال عنف قامت بها حركة المقاومة الإسلامية حماس، واعتبرته أعمال إرهاب بشعة من منظمة إرهابية، وأكدت على أن إسرائيل لها الحق المطلق في الدفاع عن نفسها وعن أمنها.

كانت النقاط المتداولة في أغلب القنوات الإعلامية هي ترديد ومساندة الموقف الحكومي لهذه الدول، والذي يتماشى مع ما قالته الحكومة الإسرائيلية من أهمية وكيفية القضاء التام على حركة حماس؛ لحماية أمن  إسرائيل، وكالمعتاد أصبحت وتحولت دولة إسرائيل من دولة محتلة لا ولم تحترم القانون الدولي ولا أي من قرارات مجلس الأمن على مدار عقود من الزمن منذ بداية مشروعها الاستعماري والاستيطاني منذ أكثر من ٧٥ عامًا، إلى دولة ديمقراطية، بل الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة ضحية للعنف والإرهاب، ويجب الدفاع عنها ومساندتها كدولة ديمقراطية تدافع عن قيم الغرب ضد الوحشية والهمجية والإرهاب.

مع أنه في نفس الوقت الذي قام الجيش الإسرائيلي المحتل بقطع المياه والكهرباء، وكل المساعدات الإنسانية من أغذية وأدوية ومعدات طبية عن غزة، وزادت وشددت من حصارها المستمر من ٢٠٠٦ على أكثر من ٢ مليوني فلسطيني؛ تمهيدًا لما ادعته: القضاء التام على حماس.

لم يهتم الإعلام بهذه النقطة الأخيرة مع تعتيم شبه كامل على أن ما يحدث من قطع الماء والكهرباء الغذاء والأدوية عن المدنيين هي أشكال واضحة من جرائم الحرب، وكذلك قتل المدنيين، ومع أنها هي نفس الحكومات ونفس القنوات الإعلامية التي أدانت بشدة، وكيفت ما فعلته روسيا من قطع الكهرباء والماء عن المدنيين في أوكرانيا بأنه شيء بربري وبشع ويعد من جرائم الحرب.

كان التركيز فقط على أن جيش الاحتلال الإسرائيلي له الحق في الدفاع عن نفسه وعن أمن إسرائيل، وبدون قيود ضد الإرهاب.

وخوفًا من ردود فعل لا تتماشى مع الموقف السياسي والإعلامي السائد، أسرعت الحكومة الفرنسية إلى منع أي مظاهرات مساندة للقضية الفلسطينية، وادعاء أن هذه المظاهرات سوف تكون مسرحًا للمتطرفين والمؤيدين لحركة حماس.

 وعلى العكس، سمحت بل المظاهرات المساندة لإسرائيل، وبدأت مقارنات عديدة بين ما حدث في ٧ أكتوبر وبين ما حدث لليهود أثناء الحرب العالمية الثانية.

وأصبحت إسرائيل دولة ضحية للإرهاب والوحشية، وأصبح من يعادي وجود إسرائيل كدولة صهيونية ومحتلة، ينظر إليه تلقائيًّا على أنه معادٍ للسامية واليهودية.

وأغلب اللقاءات التليفزيونية كانت تبدأ دائمًا بطلب واضح من المحاور لإدانة حماس، والتأكيد على وصفها بأنها حركة إرهابية.

تناول أغلب القنوات موضوع الرهائن بشكل مختلف تمامًا هذه المرة، واتخذت نفس الموقف الرسمي لحكومة إسرائيل اليمينية والمتطرفة، من أن الوضع اختلف، وأن المهمة الأولى للجيش الإسرائيلي هي القضاء التام على حماس.

تحول الجو العام الإعلامي إلى مدافع عن إسرائيل، واعتبار حركة حماس منظمة إرهابية.

من يختلف أو يتخذ موقفًا آخر، فهو مهدد بوصفه واتهامه بأنه معادٍ للسامية؛ كما حدث لحزب فرنسا الأبية الذي رفض اعتبار حماس منظمة إرهابية، وفي نفس الوقت أدان أعمال العنف والقتل في ٧ أكتوبر، فشن الإعلام واليمين المتطرف حملة من الاتهامات له بمعاداة السامية.

 فهو يرى أن هناك نوعًا من الكيل بمكيالين تجاه أعمال وجرائم إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني المحتل، والتي يجب إدانتها أيضًا، وأن حياة الأطفال الفلسطينيين لها نفس القيمة كحياة الأطفال الإسرائيليين.

وفي نفس الوقت أدانت حصار الشعب الفلسطيني في غزة، والعقاب الجماعي لأكثر من ٢ مليوني مواطن بقطع المياه والكهرباء والإمدادات بالأدوية والمساعدات الإنسانية.

وأوجبت على الحكومة الفرنسية أن تقف بشكل محايد، وأن تدين قتل المدنيين في غزة.

ودعت إلى وقف الحرب، وأوضحت أن الاحتلال الإسرائيلي مستمر منذ عقود بلا حلول سياسية.

هذا الموقف ظل محل انتقاد في غالبية القنوات الإعلامية في فرنسا، واتهامهم بأنهم يشقون صفوف الوحدة الوطنية، ويدعون إلى زيادة معاداة السامية في فرنسا.

 حتى حدث قصف "مستشفى المعمدان" وموت مئات المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء الذين اتخذوا المستشفى مكانًا آمنًا وملجأ لهم من القصف الإسرائيلي المتواصل في كل المناطق في غزة.

وبالرغم من أن إسرائيل زعمت أن هذه الضربة جاءت من داخل غزة وليست هي الفاعل لهذه الهجمة الوحشية؛ فإن الكل يعرف أن الجيش الإسرائيلي له تاريخ كبير في عدم احترام القوانين الدولية والإنسانية، واستهدافه غالبًا للمدنيين، فإن الإعلام استمر هذه المرة ولكن على استحياء وبطريقة أقل حدة في الدفاع عن إسرائيل وحقها بلا قيد أو شرط في الدفاع عن نفسها، وفي نفس الوقت اتُّهِمت حماس باتخاذ المدنيين كدروع بشرية، بل اتهمت بأنها هي في المقام الأول التي تقتل الأطفال والمدنيين في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة كما ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وبدأ الإعلام في التعتيم والتقليل من شأن هذه الجريمة، وفي التشكيك في عدد القتلى من الأطفال والنساء من الجانب الفلسطيني؛ بحجة أن "حماس" لا تعطي الأرقام الصحيحة كما قال الرئيس الأمريكي.

أصبح الإعلام موجهًا بشكل عام وكامل للدفاع عن دولة إسرائيل.

نادرًا ما يتحدث الإعلام عن عدد مئات القتلى من الفلسطينيين في الضفة الغربية، الذين قُتلوا سواء برصاص الاحتلال أو بسبب هجوم المتطرفين اليهود وتهجيرهم من منازلهم.

مع وصول اليمين المتطرف والعنصري في إسرائيل إلى الحكم منذ ١٣ سنة، واستمرار بناء المستوطنات وسرقة الأراضي الفلسطينية على مرأى ومسمع من الحكومات الأوروبية المتتالية، وغض بصرهم عما يحدث من الاحتلال الإسرائيلي، ورغم أن غزة محاصرة وتعتبر سجنًا كبير من ٢٠٠٦.

ومن النادر أن تجد من يتحدث عن إسرائيل كدولة محتلة للأراضي العربية منذ ٦٧، وأنها الدولة المحتلة للأراضي الفلسطينية، وليس العكس.

عندما بدأت عدة مظاهرات للتعاطف مع الفلسطينيين المدنيين الذين قتلوا تحت القصف الإسرائيلي، بدأ الإعلام في التعتيم بشكل شبه كامل على الوضع الإنساني الكارثي للمدنيين، الذي حذرت منه كل المنظمات الدولية والأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة وحقوق الإنسان.

وبدأت القنوات الإعلامية تتكلم على خجل على أن رد الفعل الإسرائيلي من حقها، ولكن مع احترام القانون الدولي وحماية المدنيين، ولكن لا أحد يطالب بوقف الحرب أو تحميل الجيش الإسرائيلي مسؤولية قتل المدنيين، ولكنهم يطالبون فقط بهدنة إنسانية، وإدخال المساعدات الطبية.

  قصف مخيم جباليا جريمة حرب، ربما يكون نقطة تحول:

 حيث أعربت الخارجية الفرنسية قلقها العميق من قصف المدنيين، ومما حدث في مخيم جباليا، وأن الأمم المتحدة كيّفتها على أنها يمكن أن ترقى إلى كونها جريمة حرب، وازدياد التعاطف الشعبي ضد قتل المدنيين وبشاعة الدمار وعدد القتلى من المدنيين المتزايد يومًا بعد يوم من الأطفال والنساء، وفي النهاية قبلت الحكومة الفرنسية بتنظيم مظاهرة ضد الحرب دفاعًا عن الشعب الفلسطيني في غزة، ينظمها حزب فرنسا الأبية.

 رغم منع الاحتلال الصهيوني الصحافة وأعضاء المحكمة الدولية من الدخول إلى غزة، وقطع كل وسائل الاتصال من إنترنت، والعدد الكبير من القتلى من الصحفيين برصاص الجيش الإسرائيلي؛ فإنه نادرًا ما يطالب أحد في الإعلام بالتحقيق في هذه الجرائم، أو الحديث عن الحكومة الإسرائيلية الحالية؛ فهي حكومة من اليمين المتطرف الفاشية والعنصرية حتى ضد العرب الإسرائيليين.

 إن الإعلام أصبح موجَّهًا، وفقد الكثير من القيم الأخلاقية والإنسانية والمهنية، وانخرط في الدفاع عن مصالح الدولة السياسية، وتزييف الحقيقة، وترديد الأكاذيب السياسية الموالية لإسرائيل بأن "حماس" تستهدف عمدًا المدنيين، ولكن إسرائيل لا تستهدفهم، وأن القتلى من الأطفال والنساء والمدنيين ما هو إلا نوع من الأضرار الجانبية من إلقاء القنابل على غزة! آلاف الأطنان من القنابل!

الموقف الإعلامي العام لا يتكلم عن وقف إطلاق النار، أو وقف قتل المدنيين، بل بدأ يتكلم عن كيفية إمداد غزة بالمساعدات الإنسانية على شرط ألا تصل هذه المساعدات إلى حماس!

 معاداة السامية أصبح موضوعًا إعلاميًّا مهمًّا ومتكررًا في غالبية القنوات الفرنسية؛ فغالبية الإعلام متواطئ بشكل كامل مع موقف الحكومة الفرنسية، وأصبح أداة للدعاية لمواقفها.