هوامش

مينا ناجي

مختارات من كتاب "عن الأجورافوبيا"

2024.02.12

مصدر الصورة : nottinghamcityofliterature

مختارات من كتاب "عن الأجورافوبيا"

أصدر الكاتب الإنجليزي جراهام كِيفني، العام الماضي (2022)، مذكراته "عن الأجورافوبيا" [رُهاب الأماكن المفتوحة / البعيدة / المزدحمة]، والتي أُختير منها هذه المقاطع والاقتباسات، بعد عدّة كتب منها سيرتان عن الكاتب ويليام بوروز والشاعر آلن جينسبرج ومذكراته الشخصية عن فترة مراهقته بعنوان "الولد ذو العصبية الدائمة".

صَدَر الكتاب وكِيفني في عمر الـ 55 عامًا، وقد سرد فيه بشكل أدبي، في مقاطع وفقرات غير خطّيّة زمنيًا، السنوات الـ 36 التي قضاها مع الرُهاب الذي بدأ معه في سن الـ 19 وهو عائد في إجازة الكريسماس من المدينة الجامعيّة التي يقيم فيها إلى بيته. يحكي كِيفني عن رحلته العلاجيّة وقراءاته المختلفة وصراعه مع إدمان الكحول وواقعة الانتهاك الجنسي في صِباه التي يرى أنها السبب في إصابته بالرهاب. ضَفَّر كِيفني في الكتاب تاريخه الشخصي مع تاريخ المرض نفسه لكي يحكي سيرة حياة طبعت عليها محدوديّة الحركة في المكان سِمت مُختلف وقاس. 

** ***

الأجورافوبيا. أريد أن أكتب هذه الكلمة في وسط الصفحة، أتركها عالقة، مُحاطة بلا شيء سوى فراغ أبيض ثلجي. محاولتي للانتقام.

*

الأجورافوبيا، علامتي الصفريّة. الدالة على كل شيء.

قل للناس إنك كلوستروفوبي [رُهاب الأماكن المغلقة والضيقة]، وسيلمسون ذراعك ويومئون بتعاطف، ربما يشاركونك بعُصَاب محترم خاص بهم. سيقولون لك إنهم أيضًا يواجهون صعوبة في استخدام المصاعد ومترو الأنفاق والأقبية. سيشاركونك ألمك، شاعرين بالإطراء أنك وثقت بهم بكشف نقطة ضعف فيك.

ربما حتى يعجبون بك أكثر، ويعتبرون الكلوستروفوبيا عَرَض للرهَافة، وامتداد للمزاج الفني.

قل للناس إنك تعاني من الأجورافوبيا وسيؤدي ذلك إلى توقف المحادثة. سيصبحون غير مرتاحين. لقد تجاوزت الحد (مفارقة، باعتبار أن الخوف هو هذا بالضبط). إنها نقطة ضعف متمادية للغاية، نقطة يجب النطق بها من خلال شفاه مضمومة وعيون منخفضة. أنا أجورافوبي. إنها جملة لا تؤخذ بخفة، أو تُطرح عَرَضًا في محادثة.

إنه اعتراف أكثر منه إيداع ثقة، خروج للعَلَن.

*

أتساءل لو كان يمكن للعميان أن يكونوا أجورافوبيين.

*

الموسيقى التصويريّة للأجورافوبيا ليست موسيقى الفولك. إنها إليكترونيكا ذات صرير؛ تشوُّش، ارتجاع.

الأجورفوبيا هي اعتداء على الخيال الرعوي، محاكاة ساخرة لعدن ريفيّة. لا عجب أنها تبدو كتجديف.

*

الخوف، مثل التاريخ، يعيد نفسه. المرّة الأولى كهلع، الثانية كرُهاب. إن صيغة ماركس تضيف فقط إلى نَصِّي العُصابي.

الأجورافوبيا ليست مأساة ولا مهزلة. إنها تحوم بين الاثنين، ولا يمكن اختزالها لأيهما، إنها مُناسَبة إلى كليهما.

*

"إننا نرى الأجورافوبيا كنموذج للترهيب والقمع التاريخي للنساء،" كتب روبرت سايدنبرج وكارين ديكرو في كتاب النساء اللواتي يتزوجن منازل: "كراهية الذات، حَد الذات، نُكران الذات، عِقاب الذات الخاصين بالأجورافوبيا، هم كاريكاتير لقرون من تعليمات الطفولة الموجهة للنساء".

*

أبدو وأن لديّ أسبابًا لعدم الذهاب إلى أي مكان: المال، العمل. ليس من الصعب أبدًا العثور على أسباب، طالما أنها ليست أبدًا السبب الفعلي. الأجورافوبيا هي الخوف الذي لا يجرؤ على التحدث باسمه.

*

الأجورافوبي هو شخص لديه حُجَّة غياب دائمة.

*

يجب أن أقوم برحلة أخرى بالباص، لأثبت لنفسي أن الهجمة السابقة كانت لمرَّة واحدة. لا أفعل ذلك. أرفض دعاوي الاصطحاب إلى لندن وبرمنغهام، وأرفض عروض قضاء أيام بالخارج حتى يتوقف الناس عن السؤال. أوبّخُ نفسي على نقص الشجاعة. مونولوج داخلي من الاتهام-المضاد للذات. مما يعني أن أيامي بلا أعراض ليست بلا أعراض على الإطلاق.

أصاب بنوبة هلع أخرى. ثم أخرى. سرعان ما يصبحن عنصرًا ثابتًا يوميًا. في السوبر ماركت، منطقة التسوق، على متن الباص إلى البلدة. ينتقل جهازي العصبي إلى حالة تأهب قصوى دائمة، جاهزًا للمعركة. يصبح الخوف مألوفًا، متوقعًا. وضعي الطبيعي غير الطبيعي.

*

نوبات الهلع لا تؤدي إلى الأجورافوبيا. الخوف من تكرارها يفعل. الأجورافوبيا هي ميتا-خوف، ضربة استباقيّة ضد الخوف الذي لم يأت بعد. إنها خائفة جدًا من الخوف لدرجة أنها تصر على أن تظل خائفًا بشكل دائم.

*

عذاب عقلي غير منقطع. هذه كانت كلمات فورد مادوكس فورد عن سنوات رُهابه. "كان المرض خياليًا تمامًا؛ لم يجعله هذا أفضل البتّة. . . لقد انتقلت من علاج أعصاب إلى علاج أعصاب، في جميع أنحاء إنجلترا وألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا."

تجعلني قائمة الدول التي وضعها غيرانًا، وتثير السؤال المرير: فقط إلى أي درجة كنتَ أجورافوبي؟ (العُصاب نادرًا ما يكون موقعًا للتضامن). كان فورد ذلك الشيء العجيب: أجورافوبي رحّال. دليل على تقلُّب الحالة، وطول مداها.

*

مع ذلك، فإن جزءًا مني يعلم أن الأمر يمكن أن يكون أسهل من هذا بكثير. حقًا. لو كان بوسعي فقط . . . أن أقف وأتمدَّد، أخطو هادفًا على ممر الحصاة، ثم استركب مواصلة إلى. . . من يدري أين؟

ومن قد يدري أين؟ السؤال الذي يحيرني بلا نهاية. بواقع أن بمقدورهم الذهاب إلى أي مكان، كيف يقرر الأشخاص غير الأجورافوبيين إلى أين يذهبون؟

*

إذا ضُغط عليَّ، فإن تراتبية مخاوفي ستكون شيئًا كهذا.

غير قابل للتفاوض: الطرق السريعة، الطرق المزدوجة، الطرق المفتوحة غير المعروفة.

صعب: المطارات، مراكز التسوق، الطرق الرئيسية المزدحمة.

متغير: القنوات، الحدائق، محلات السوبر ماركت.

*

في المجلد الأول من نهاية العرض، رباعية الحرب العظمى لفورد مادوكس فورد، يسير بطله مع امرأة في الريف. إنّه يرى نفسه كرجل ينتمي قلبه إلى عصر مضى، معتزًا بحفاظه على ميثاق شرف. كريستوفر تيتجينز رجل متزوج. فالنتاين وانوب ليست زوجته. إنها سلالة جديدة من النساء: جريئة، عازبة، مناصرة لما يسمى "حق المرأة في التصويت". تيتجينس غير متأكد من رأيه في رفيقته. جزء منه لا يوافق عليها، وجزء آخر مخدوع. يَصلان إلى مَرقى خلفه طريق فارغ. المَرقى التالي على بعد خمسين ياردة. يبدأ تيتجينز بالهلع، ويشرع في الركض: أكره الطرق التي بها مسارات ميدانيّة. يقول لها.

إنه رُهاب، مثل الذي عند أي امرأة، تجاوبه.

*

من المفترض أن يُغيِّر هذا الفيروس [كورونا] كل شيء. لكن "الطبيعي الجديد" الذي روج له كثيرًا ليس جديدًا بالنسبة لنا.

"ابق في المنزل وبعيدًا عن الآخرين". هكذا تُقرأ الإرشادات، تعليمات مثل محاكاة ساخرة لكوانات [أقوال] بوذية. إنها ممارسة اتبعتها هذه المجموعة [مجموعة علاج الأجورافوبيا] لسنوات. لا يعدم الأجورافوبيون أبدًا أسباب للبقاء بالداخل. الآن أحرزنا الجائزة الكبرى. تتضاعف العدوى كل ثلاثة أيام. تتغير نغمة رسالة الحكومة اليومية: ابق في المنزل – من المناشدة إلى التعليمات إلى التهديد.

ينبغي أن تكون موسيقى لآذاننا. لمرَّة نحن على الموضة، في مقدمة المنحنى الاجتماعي-الطبي. لقد أمضى معظم الأشخاص الذين يعانون من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية حياتهم يُقال لهم من قِبَل المتخصصين الطبيين كم هو مهم بالنسبة إلينا أن نغادر المنزل. الآن يخبرنا هؤلاء المتخصصون أنفسهم كم هو مهم بالنسبة إلينا ألا نفعل. أليس علينا أن نرقص في الشوارع التي تُذكَر في المَثَل؟ تلك الشوارع التي أمضينا سنوات في تجنبها. التي لم يعد مسموحاً لنا أن نطأها بقدمنا.

بجانب غاسلي الأيدي القهريين، لحظة العُصابي المكاني قد وصلتْ. الأجورافوبيا الآن هي سياسة الحكومة.

يقضي المعانون من القلق وقتهم في تصور كوارث تقع في المستقبل. وهكذا، عندما تصل كارثة فعليّة، يمكن أن تجيء كنوع من الراحة. لقد وصل أخيرًا 'السيناريو الأسوأ الذي طال انتظاره' الخاص بنا؛ نسميه الحياة اليوميّة. إذن هذا هو إحساسه، الخوف الفعلي وليس خيال عنه. لقد حدث الأسوأ تمامًا. بُرِّر جَزَعنا، وصُدِّق عليه.

والأمر ليس مخيفًا كما تصورنا. لأنه لا شيء يمكن أن يكون. الخيال القَلِق يتجاوز الواقع في كل منعطف.

*

أقوم بتمشيتي الواحدة في اليوم، أخطو بخفَّة حول الحديقة المحليّة. أخذتُ نصيبي من العلاج هُنا، وقفتُ مع معالجين نفسيين مدججين بآلات استرجاعيّة-حيويّة وحاصرات بيتا [betablockers] بينما كنت أحاول السيطرة على الذعر المتزايد. كان الهدف هو إزالة حساسيّة جهازي العصبي، وإعادة برمجة الارتباطات المعرفيّة بين المساحة الفارغة والخوف. كان التركيز على التنفس، ونبض القلب الثابت، وتعليم ما يسمى بالجهاز العصبي السمبثاوي أنه ليس لديه سبب للهروب أو القتال. اعتاد المعالج النفسي على القول إنني يجب أن آتي إلى هنا يوميًا، وإن التعرُّض المتكرر سيؤدي في النهاية إلى استجابة خالية من الرُهاب.

*

يتمدَّد خوفي من السفر مثل حِبر مسكوب في حوض سمك. مجرد فكرة مغادرة الحرم الجامعي تحوِّل دمي إلى جليد. في الخارج، أبحث عن علامات بصريّة، ضامنات للسلامة: أسِرَّة حديقة، عربة آيس كريم، كشك زهور، شخص واحد (ليس أكثر) يسير أمامي، سيارات ساكنة، بُرج ساعة.

*

أظن أن الأشخاص الذين شهدوني في حالة انهيار أجورافوبي كامل - الهلع الأعمى والفرارات اليائسة - يعرفونني بطرق في العادة مُخصَّصة فقط للعُشَّاق.

*

الرهاب دراما يُجلب فيها لا-شعورنا للحياة.

*

خاطبت أسطورة 'التدمير الذاتي الإبداعي' جيلي، الرجال تحديدًا. جذورها كانت في الرومانسية وذروتها في الروك آند رول. نبرتها بطوليّة، جواب متحدي لعالم ممتلئ بالادعاء والزيف.

بدا الفناء ثمن بسيط مقابل الحصول على ما هو حقيقي، أو ما يسمى بالأصالة. كان الموت مخاطرة مهنيّة. كان الجنون خبلاً ومن لم يرد ذلك؟ عنى الخبلُ عِرَافة مُختلَّة، موجات من نشوة فائضة.

كان ذلك قبل أن أصبح أجورافوبي. عُصابي كان عزمًا على التحرك في الاتجاه الآخر. انبعاجي عوضًا عن توسعي. الأجورافوبيون هم التقليديون النهائيون، التوافقيون الكبار. نحن نصنِّم العقلانيّة، نشتهي كميات فاحشة منها.

الرهاب هو السعي غير الطبيعي للطبيعيّة.

*

إنه عامي الثالث في وارويك. عمري واحد وعشرون عامًا. أخاف الولوج إلى الطرق السريعة. أخاف الولوج.

وُصِف لي "أتيفان"، وتم تحذيري من خصائصه المسببة للإدمان، ونصف-حياته [مفعوله] القصير، عبارة أكثر وصفًا مما هو مقصود منها. نصف-حياة كان مصطلحًا مرتبطًا ذات مرة بالفيزياء النووية والتحلل الإشعاعي. الآن نستخدمه للمهدئات، لأولئك الذين حياتهم أكثر من اللازم بالنسبة لهم. لمن نصف حياة كافية إليهم. ليس أني أشتكي. إنه حب من النظرة الأولى. لسان كسول، جفون ثقيلة، تدفق دافئ في مؤخرة الرقبة.

أقرأ النشرة: لا تقود. لا تقم بتشغيل الآلات.

اتفقنا.

*

أليس من المفترض أن تبدو بلدتك أصغر حين تعود؟

لقد جاء عيد ميلادي الحادي والعشرين ومضى. عُدتُ للعيش في البيت، خريج إذا سمحت. قيل لي أن مستقبلي كله أمامي، عبارة تبدو وكأنها تهديد.

الحادية والعشرون: المفتاح في الباب.

فلماذا لا أستطيع مغادرة المنزل؟

*

الموات ليس مثل كونك ميتًا: هو أن يوجد حجر رَصْف في معدتك. إنَّه حِدَاد. الحزن على فقدان نفسك. قيل لي أنني بحاجة إلى توسيع منطقتي الآمنة. العبارة المستخدمة للإشارة إلى درجة الحرارة المناخيّة. في مرحلة ما أصبحتْ مكانًا داخل رؤوسنا وأجسادنا، حَدًا. قيل لي إنه شيء من الجيد تحدِّيه، شيء ينبغي أن أحاول الانعتاق منه.

*

ليس هناك نقص في أسباب البقاء بالداخل: القصص الإخباريّة، تقارير الطقس، الفوضى المروريّة. يسمح لي الخوف الواقعي بتجنب الخوف العُصابي، ويضفي الاحترام على تجنبي. هذا يعني لا طرح لأسئلة، لا اعتراف مُخجِل.

أجورافوبيتي هي جَزَع لا عقلاني يبحث عن أشكال أكثر عقلانيّة. سوف تأخذ أي أعذار يمكنها الحصول عليها.

*

آخر طبيب استشاره فورد مادوكس فورد بشأن أجورافوبيته أخبره أنه سيموت في غضون شهر: "بمجرد رحيله، قفزتُ وارتديتُ ملابسي واستقلتُ بمفردي تمامًا عربة إلى سيرك بيكاديللي". عليك تذكُّر أن مشكلتي الكبرى كانت تصوري أنني لا أستطيع المشي. حسنًا، مشيتُ ذهابًا وإيابًا داخل السيرك لمدة ساعة ونصف. ظللتُ أقول: "اللعنة على هذا المعتوه. لن أموت خلال شهر."

ادَّعى الطبيب المَعْني لاحقًا أنه استفز فورد عمدًا، ودفع الكاتب صعب المِرَاس إلى الشفاء التام. لقد نجح الأمر. "منذ ذلك اليوم إلى هذا"، كتب فورد في عودة إلى أمس، "لم أقض يومًا في السرير قط. لقد أمرني الأطباء أحيانًا بذلك، لكنني لم أتمكن أبدًا من تجاوز الساعة الرابعة مساءً."

*

"يمكننا الخوض في الماء البارد شيئًا فشيئًا أو فقط الغوص فيه"، كتب الدكتور ماركس [Marks] في كتابه مخاوف، رهابات، وطقوس، "التعرض لإشارات الخوف يمكن أن يكون تدريجيًا، بدءًا بإشارات مخيفة قليلاً والانتقال ببطء إلى إشارات مرعبة. . . أو يمكن أن يبدأ من أعلى التسلسل الهرمي، بالأكثر إثارة للقلق أولاً."

الأعضاء الأقدم في مجموعة الدعم التي أحضرها - أولئك الذين يمكنهم تأريخ حالتهم إلى الثمانينيات أو قبل ذلك – قد واجهوا كلهم الفَيض [أو الغمر - التكنيك العلاجي الذي وُصف السطور السابقة] في وقت أو آخر. تستحضر السيدة التي لن-يقابلها-أحفادها-أبدًا، أنها أخُذت إلى مركز تسوق ميدوهول في شيفيلد ووجِهَتْ للبقاء هناك حتى بلغ هلعها ذروته. بقيت هناك لساعات. 

باستثناء أن الهلع لم يبلغ ذروته. ظل يعود موجة إثر موجة مرعبة، باديًا بشكل واضح أنه لا ينضب. تقول إنها شعرت وكأنها ملاكم متشبث بالحبال، داعيًا خصمه إلى لكم نفسه. هربتْ واستقلّتْ سيارة أجرة ولم تعد أبدًا.

تشرع في البكاء وهي تخبرنا هذا، تتماسك، تنتقل للضحك، تقول إنه عقاب عادل لها على موافقتها على مثل هذا العلاج الغبي. الفيض؟ لا تثق أبدًا بأي شيء يحمل اسم كارثة طبيعيّة.

*

عليك أن تحاول ويكون عندك الإيمان.

نعم، لكن ليس عندي.

لكن عليك أن تحاول.

لا أستطبع.

ولم لا؟

لأني لا أستطيع.

تُغلِّف الأجورافوبيا إحباطات مُعانِيها بحِزَم من الأسلاك الشائكة. أسبر عميقًا وسوف تُجرَح. تحت الاستحياء، غضب عارم.

وتحت الغضب أسى عميق جدًا حتى أنك قد تغرق.

*

تفتح الأدوية فجوات بين الأعراض والوعي بالأعراض. تغرس لامبالاة حائرة، زِن غير مُستنير. ما بدا ذات مرّة عواطف معقدة يبدو الآن سلسلة من العواطف المسطحة جميعها طبقات فوق بعضها. داخل العبوة تحذير: قد يسبب خسارة الوزن، زيادة الوزن، أرق، رؤية مشوَّشة، رعَّاش، صَرَع، اضطراب الحركة، تقلبات مزاجيّة، قيء، عجز جنسي، سخونة أو جفاف الجلد، أوهام بارانوية، هلوسات، أفكار انتحاريّة. إذا استمرت الأعراض أخبر الطبيب.

*

علمتني إجراءات القضية [ضد الشخص الذي تحرش به] كيف يمكن أن تكون قصصنا زلقة ومتقلبة ومائلة. نود التفكير في حياتنا بصفتها خطّيّة، كما لو أنها تتقدم من أ إلى ب؛ نحن أبطال وبطلات رواياتنا المشخصنة. نحن نتحدث بقواعد 'الواقعية': الشخصيّة، السبب والنتيجة، العالم مُمثَّل بإخلاص.

مع ذلك، فنحن نعلم أن هذه النسخة ليست مضبوطة بشكل كامل، وأنها مؤطَّرة ومُشكَّلة ومنحوتة. قصصنا أساطير مُعدّلة، تغطي الشقوق. إذا أخطأنا بينها وبين الحقيقة ولا شيء غير – فإننا نجازف بأن نصبح مثل غوريلا نابوكوف، ساجنين أنفسنا داخلهم.

أنا أجورافوبي - الجملة لا تزال تباغتني كجملة عبثيّة، قفلة نُكتة خاصة لست متأكدًا من أنني مشارك في فهمها.