فنون

راشدة رجب

مركز سينيفيل السينمائي يضيء الإسكندرية

2024.09.07

تصوير آخرون

مركز سينيفيل السينمائي يضيء الإسكندرية

 

شهدت الإسكندرية مؤخرًا انطلاق مركز سينيفيل السينمائي المستقل، الذي يبدو أن المدينة متعطشة لوجوده مثلها مثل مدن إقليمية كثيرة أخرى، وهي الحكاية التي يرويها للمرايا وجيه اللقاني مؤسس المركز والمدير التنفيذي لمؤسسة "فن في كل مكان" التي يتبعها المركز.

يقول اللقاني: "مركز سينيفيل هو نتاج مشروعات بدأت فيها منذ أكثر من عشر سنوات، وهو مشروع "سينما في كل مكان" في 2013 لعروض الأفلام في أماكن بديلة كالمقاهي والنوادي والمراكز المجتمعية والمنظمات غير الحكومية، ثم تطور هذا المشروع إلى مؤسسة "فن في كل مكان" في 2016. كما نتج عن تلك المشروعات مجموعة من المبادرات السينمائية للعرض أو التدريب السينمائي؛ منها مبادرة (Deaf Film Lab) للعروض السينمائية للصم، وتدريب شباب الصم على الإخراج وجميع مراحل إنتاج الفيلم السينمائي. ووجدنا أننا نحتاج إلى مساحاتنا الخاصة؛ إذ كنا حتى تلك اللحظة نقدم عروضنا وتدريباتنا في مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات خاصة ومؤسسات للصم ولتنمية المرأة في الصعيد. ولهذا بدأنا منذ أربع سنوات رحلة بحث عن مساحة خاصة في الإسكندرية لعدم توفر مركز سينمائي متخصص بها، وهي المدينة التي شهدت ثانيَ عرض سينمائي عالمي للإخوة لوميير عام 1896، حيث يوجد مراكز متعددة التخصصات تضم الموسيقى والأدب والمسرح، والسينما جزء فقط من هذه الأنشطة، بينما تفتقد المدينة لمركز للعرض والتدريب والأرشيف السينمائي".

 

وجيه اللقاني

وكانت شروط المركز المناسب، من وجهة نظر اللقاني ومساعديه، أن يقع في وسط المدينة، ويكون به قاعات كبيرة، وأن يحتل الدور الأول حتى لا يرهق جماهير ومحبي الفن السابع. ووقع الاختيار على "بناية" أسسها اليوناني الإيطالي قسطنطين جورديانو عام 1923. وقبل عام 1952 امتلك مصطفى الزناتي رجل الأعمال ومالك سينما "أمير" هذه المساحة، التي تشغلها سينيفيل الآن، واستخدمها مقرًّا تجاريًّا لإدارة أنشطته، ثم تحولت إلى مخازن. وقرر اللقاني ترميمها وإعادتها للشكل الأصلي والمحافظة على الطابع الأثري والفن الإيطالي بها، وتأهيلها لتصبح مركزًا سينمائيًّا مع الحفاظ على الشكل والروح والديكورات التي تزيد على مئة عام.

وتحول المكان إلى مركز سينمائي يضم قاعة عرض بها 36 مقعدًا، وقاعة للتدريب والمحاضرات السينمائية، وقاعة استقبال ومكتبًا إداريًّا وأرشيفًا.

أما عن أنشطة المركز فيقول اللقاني، الحاصل على بكالوريوس إدارة أعمال، ودبلومة إدارة الفنون بكلية الآداب جامعة القاهرة؛ كما درس إدارة الفنون بمعهد دافوس الأمريكي: "لدينا خطة طموحة، من خلال شراكات مع عدد من المؤسسات والمهرجانات، لعرض الأفلام الفائزة أو التي تم اختيارها في المهرجانات والفعاليات المختلفة حول العالم ولاقت إعجاب النقاد. كما أن هناك برنامجًا لعرض التجارب الشبابية وإلقاء النظرة عليها، من أجل تطور الصناعة المحلية، ويعده فريق برمجة سينيفيل".

ويؤكد أنه يتمنى أن يتقدم الشباب من خارج المركز ببرامج أفلام يقترحونها وسيمنحهم المركز مساحة من الحرية للتعبير عن أنفسهم، ويطمح أن تَنقُل تلك البرامج للوسط السينمائي تجارب جديدة مختلفة كأفلام من آسيا والخليج العربي... إلخ، وأفلام الرسوم المتحركة، أو أفلام تراثية من فترات معينة، وأفلام تجريبية.

ستبدأ منتصف سبتمبر مجموعة عروض ، يليها ورشتان في شهر أكتوبر إحداهما للنقد السينمائي ، والأخرى لترجمة الأفلام وسيحاضر بها مجموعة من المتخصصين من قنوات شو تايم، وديزنى ونيتفليكس، حيث يوجد لدى مؤسسة "فن في كل مكان" مركز لترجمة الأفلام.

يستقبل المركز مجموعة مؤسسي أتيليه الإسكندرية، الذي استعاد ملاكه مقره؛ وهو أحد القصور المهمة في وسط البلد لأسباب قانونية، لعرض أفلامهم بشكل منتظم.

يحاول مركز سينيفيل الآن جمع عدد من الوثائق السينمائية والأفلام 16 أو 8 مم، من ملاكها الذين لم يعودوا بحاجة إليها؛ ليُعِدوا منها أرشيفًا. ويهدف المركز بذلك إلى حفظ التراث وإتاحته مجانًا للباحثين مما يخلق هوية للمكان كما يؤكد اللقاني.

لكن الأمر بالتأكيد لا يخلو من صعوبات. فالمحافظة على جودة العروض والورش والبرامج هي أولى الصعوبات؛ ولذلك يحرص المركز على اختيار الأشخاص المؤهلين وأصحاب الخبرات الذين يشهد لهم العاملون في المجال بالكفاءة والخبرة، خاصة وأن هناك مراكز تدمر أحلام الشباب السينمائية من خلال محاضرين غير مؤهلين.

ويؤكد اللقاني قائلًا: "لا يهمنا المال، ما يهمنا هو الجودة الفنية؛ لأنها هي التي تبني سمعة المكان وثقة الجمهور". ولأن العروض مجانية فيحاول المكان تقديم بعض الورش بمقابل مادي لتغطية المصاريف، فالمركز يقوم على الجهود الذاتية وليس عملًا تجاريًّا يسعى للربح. ومن جانب آخر تظل بعض الورش مجانية من خلال منح تقدمها مؤسسات مختلفة.

وتعكس بدايات مشروع "سينما في كل مكان" صدق كلمات اللقاني عاشق الفن السابع. كان يحضر عرضًا لفيلم مستقل في أحد المراكز الثقافية بالإسكندرية عام 2013 هو وشخصان أو ثلاثة فقط، وعندما خرج من العرض جلس على مقهى يعرض مباراة كرة قدم على شاشة كبيرة، وهنا طرأت له فكرة عرض أفلام مستقلة، مثل الفيلم الذي رأه في المركز الثقافي، على شاشات المقاهي لجذب عدد أكبر من الجمهور. ومع مرور السنوات أصبح للمشروع جماهير، ولهذا فـ"سينيفيل الإسكندرية" هو الأول من عدة مراكز تخطط مؤسسة "فن في كل مكان" لتأسيسها في القرى والمدن في الصعيد والدلتا؛ لتنشر السينما في كل مكان.

وهو هدف المركز منذ البداية، نشر الفنون جميعها في كل مكان؛ ولذلك سُميت المؤسسة "فن في كل مكان"، لكن مع التجربة العملية انغمسوا في التفاعل مع جمهور السينما. يقول اللقاني: "طلب الصم متابعة الأفلام، فوجدنا ضرورة ترجمة الأفلام العربية للغة الإشارة، ثم أرادوا عمل أفلام من أفكارهم، فجاءت فكرة مبادرة Deaf Film Lab التابعة للمؤسسة، وهي ما زالت أحد الأنشطة الرئيسة لها".

وتشمل المبادرة ورشة تعليم الصم صناعة السينما بأفضل الطرق لتعليم الصم، واستطاعوا تخطيَ الصعوبات التي واجهتهم، ونتج عن الورشة عدة أفلام قام شباب الصم بجميع مراحل صناعتها.

كما تشمل "منصة سينما الصم" عشرة أفلام قصيرة يمكن للمشاهد أن يراها مجانًا على يوتيوب، والعاملون في هذه المنصة من الصم، و يترجمون الأفلام للغة الإشارة، ويراجعون المحتوى، ويقومون باختيار أفلام المنصة.

تعددت أنشطة مؤسسة "فن في كل مكان"، فقدمت في عام 2016 مشروع "سينما مصر" الذي دعمه الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق"، وعرضت 40 فيلمًا مستقلًّا خلال 20 ليلة عرض في محافظات أسيوط والأقصر وأسوان في المرحلة الأولى ثم الإسكندرية في المرحلة الأخيرة.

وهناك برنامج "ترسو" للعروض المستقلة الذي قدم حوالي 20 عرضًا في الإسكندرية والبحيرة، وبرنامج "سينما العرب" وأفلام من السينما الفرنسية وغيرها.

وفي فترة انتشار "كورونا" وبالتحديد في يوليو 2020، بدأت منصة أخرى عملها لعرض الأفلام المستقلة، وهي منصة "شوف" التي تعرض أفلامًا من جميع أنحاء العالم مجانًا، وهذه المنصة تخضع الآن لبعض التعديلات وستواصل عملها قريبًا.

 قدمت مؤسسة "فن في كل مكان" فكرة ملتقى السينما المستقلة "رؤية جديدة" للقطاع الثقافي منذ سنوات بالتعاون مع السفارة الأمريكية و(American Showcase). عُرِض في الدورة الرابعة من هذا الملتقى، والتي دارت فعالياتها في يوليو الماضي، مجموعة من الأفلام المستقلة إلى جانب الأفلام التي عُرضت في الدورات الثلاث السابقة.

تناولت الأفلام المستقلة القصيرة والوثائقية -التي لا تجد مساحة للعرض، بعكس الأفلام التجارية الأمريكية التي نشاهدها دائمًا في دور العرض السينمائي- موضوعات بيئية وعائلية، بالإضافة إلى الأفلام الكوميدية.

ومن خلال الملتقى عُرض 14 فيلمًا في 11 ليلة عرض في محافظات المنيا وأسيوط ودمياط وكفر الشيخ والإسكندرية على التوالي. كما خصصت ثلاثة أيام لعروض جمهور الصم.

اختارت مؤسسة "فن في كل مكان" المحافظات السابقة بناءً على خبرتها في العروض السينمائية بين عامي 2013 و2024 ، حيث قدمت ما يزيد عن 700 عرض في محافظات الدلتا والقاهرة والإسكندرية والصعيد، فحاولت التوازن بين العروض في المدن الريفية والساحلية ومدن الصعيد. وتُعِد الآن برامج للعرض في المحافظات في شهر نوفمبر المقبل.

تعاونت المؤسسة مع المركز الثقافي الألماني (جوته)، والمركز الثقافي الفرنسي، والمجلس الثقافي البريطاني، وعدد من المراكز الثقافية والمؤسسات العربية.

والطريف أن اللقاني قام بالتمثيل في فيلم "حاوي" للمخرج إبراهيم البطوط عام 2011، وحصل على جائزة أفضل ممثل دور ثانٍ من جمعية الفيلم. ويَعتبر أن عمله بالفيلم كان مجرد حظ سعيد سمح له أن يتعرف على مشكلات توزيع الأفلام المستقلة. ويقول: "فكرت أنه كما تم إعداد فيلم "حاوي" بمبلغ قليل وإمكانيات بسيطة في الإسكندرية، لماذا لا نتكاتف ليُعرَض "حاوي" وغيره من الأفلام المستقلة للجمهور، ونذهب نحن بهذه الأفلام للجمهور ولا ننتظر أن يأتي الجمهور إلينا؟"