عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

فنون

إيلين جونز

1960... أو عام ميلاد فيلم الرعب الحديث

2025.11.01

مصدر الصورة : آخرون

1960... أو عام ميلاد فيلم الرعب الحديث

 

بالنسبة إلى عشاق أفلام الرعب، سيظل عام [i] 1960 مرتبطًا دومًا بفيلم «سايكو – Psycho» لألفريد هيتشكوك، الذي يُعد على نطاق واسع أول فيلم رعب «حديث». بل يزداد هذا العام أهمية إذا أخذنا في الاعتبار أن فيلم «العين المسترقة – Peeping Tom» لمايكل باول -الذي يشارك «سايكو» كثيرًا من سماته، ومنها تقديم قاتل متسلسل مُعذَّب جنسيًّا في صورة إنسانية لا بوصفه وحشًا «غريبًا» يوفر الطمأنينة للجمهور- قد عُرض قبل «سايكو» بخمسة أشهر فقط.

كان المخرجان البريطانيان يعرف أحدهما الآخر، وكان هيتشكوك يتابع عن كثب المصير القاسي لباول، الذي قوبلت تحفته الفنية بالرفض والاشمئزاز من النقاد والجمهور البريطانيين، إلى حد أن مسيرته لم تتعافَ أبدًا. ولتجنّب المصير نفسه، أشرف هيتشكوك على حملة دعائية محكمة في الولايات المتحدة، صُممت لتهيئة الجمهور لتجربة «خارج المألوف». واعتمد جزء مهم من هذه الإستراتيجية على تخفيف وقع الصدمة مسبقًا من خلال حسّه الشهير للفكاهة السوداء، وهو ما أسهم من قبل في نجاح مسلسله التلفزيوني «ألفريد هيتشكوك يقدم – Alfred Hitchcock Presents».

في فيلم ترويجي قصير نُشر على نطاق واسع قبل العرض الأول لـ«سايكو»، اصطحب هيتشكوك المشاهدين في جولة داخل «موتيل بيتس» ومنزل عائلة بيتس القوطي خلفه، مظهرًا -بسخرية مقصودة- استياءه من «العنف المروّع» الذي يُفترض أنه لا يمكن وصفه بالكامل وسيحدث داخل المكان.

كما استمتع هيتشكوك بعرض أول لقطة لتدفق مياه المرحاض في فيلم أمريكي، داخل الغرفة رقم 1 في موتيل بيتس، في إشارة ساخرة إلى انهيار «قانون الإنتاج – Production Code» الصارم الذي فرض الرقابة على السينما الأميركية منذ 1934.

كان تراجع نفوذ ذلك القانون قد بدأ تدريجيًّا منذ منتصف الأربعينيات، حين دفعت تجربة الحرب العالمية الثانية القاسية، السينما نحو لغة وثائقية وواقعية جديدة. وتغذّى هذا الاتجاه على تطورات تقنية، مثل شرائط تصوير أسرع وكاميرات ومعدات صوت محمولة، إلى جانب رغبة الجمهور في مشاهدة ما يجري فعلًا على جبهات الحرب.

بعد الحرب، ظهرت الحركات السينمائية الواقعية، وعلى رأسها «الواقعية الإيطالية الجديدة» التي كسرت قيود الرقابة الفاشية وأخرجت الكاميرا من الإستوديو إلى الشارع، في رفض جذري لأفلام الهروب المصطنعة. وفي هوليوود، أدى الطلب المتنامي على الواقعية إلى الخروج من ديكورات الإستوديو ومواقع التصوير الخلفية إلى أماكن حقيقية، ما فتح الباب أمام موضوعات أكثر نضجًا موجهة إلى الكبار.

في هذا المناخ ظهر نوع «الفيلم الأسود – Film Noir» بقوة بعد الحرب، بنظرته القاتمة، وعنفه الصريح، وحمولته الجنسية، ونزعته الوجودية. وقد استند إلى روايات «الواقعية القاسية – Hard-boiled» التي شاعت منذ العشرينيات، لكنها كُبتت في الثلاثينيات تحت وطأة الرقابة، ثم قُيِّدت مجددًا خلال سنوات التعبئة الوطنية في أوائل الأربعينيات، حين فُرضت صورة مبهجة ووطنية للحياة الأميركية.

نهاية الرقابة في هوليوود

إلى جانب التوجه الجديد نحو الواقعية، شهدت هوليوود تهاوي نظام الإستوديو، مع بحث الجمهور بعد الحرب عن أنماط ترفيه جديدة، وتغيّر عادات ارتياد دور السينما بفعل انتقال أعداد كبيرة من أفراد الطبقة الوسطى الأمريكية إلى الضواحي. وفي الوقت نفسه، ازدهرت «سينمات الفن – art cinemas» في المدن الكبرى والمناطق الجامعية، مقدّمةً «أفلامًا أجنبية» بأعداد لافتة، بينما انفجرت شعبية التلفزيون ليصبح بسرعة وسيلة الترفيه الأساسية للعائلات الأمريكية، وبالتالي الشكل الأكثر خضوعًا للرقابة.

ولمجاراة هذا التحول، اتجهت السينما إمّا إلى عروض ضخمة بالألوان وعلى الشاشات العريضة للحفاظ على جاذبية المشاهدة، أو إلى أفلام بالأبيض والأسود أكثر جدية وتوجّهًا إلى الكبار، بموضوعات جريئة تتجاوز ما يمكن للتلفزيون المبكر تقديمه.

بدأ المخرجون يدفعون حدود الرقابة بشكل متعمد. كان أوتو بريمينجر في مقدمتهم، حين قدّم الكوميديا الرومانسية «القمر أزرق – The Moon Is Blue» (1953)، التي تضمنت كلمات كانت محظورة مثل «عذراء» و«حامل». ثم أتبعها بدراما ذات طابع «نواري» عن إدمان المخدرات بعنوان: «الرجل ذو الذراع الذهبية – The Man with the Golden Arm» (1955).

صدر الفيلمان دون ختم موافقة «قانون إنتاج أمريكا»، وهو ما كان سيعني سابقًا منع عرضهما في سلاسل دور العرض الكبرى، وحصرهما في صالات مستقلة ومخاطرة كبيرة بالفشل التجاري. لكن الوضع تغيّر بعد «قرار باراماونت» -الحكم التاريخي ضد الإستوديوهات الكبرى المالكة لدور العرض بسبب ممارسات احتكارية- الذي صدر عام 1938 ودخل التنفيذ فعليًّا عام 1948، وكان من الضربات الحاسمة التي أدت إلى تفكك نظام الإستوديو بعد الحرب.

صدرت أفلام بريمينجر مصحوبة بتحذير «للكبار فقط»، ما أكسبها سمعة مثيرة للجدل، وفي الوقت نفسه شعبية واسعة. ومعها تسارع مسار تقويض قواعد «قانون الإنتاج». ومع أن تفكيك القانون بالكامل لم يحدث إلا عام 1968، فإن تلك المرحلة أرست الأساس لنظام تصنيف المحتوى السينمائي الذي نعرفه اليوم.

ومع اتساع الاهتمام بالموضوعات التي كانت محظورة سابقًا، ظهر منذ أواخر الأربعينيات نوع كامل من أفلام «المشكلات الاجتماعية». تناولت هذه الأعمال قضايا مثل الصدمات الجسدية والنفسية للحرب («كبرياء المارينز»، و«أفضل سنوات حياتنا»)، والمرض العقلي («حفرة الأفعى»، و«الوجوه الثلاثة لحواء»، و«البيت قبل الظلام»)، وإدمان الكحول («عطلة نهاية الأسبوع المفقودة»، و«عودي يا شيبا الصغيرة»)، ومعاداة السامية («نيران متقاطعة»، و«اتفاق السادة»)، والعنصرية («دخيل في الغبار»، و«بينكي»، و«حادثة حدودية»، و«موطن الشجعان»، و«المتحديان»)، إلى جانب موضوعات الاغتصاب في «غضب»، والحمل غير المرغوب فيه في «غير مرغوب فيها».

الرعب يتجه نحو العالمية في 1960

بالنسبة إلى أفلام الرعب تحديدًا، قادت هذه المناخات إلى انفجار في الإبداع القاتم بلغ ذروته في عام 1960 الاستثنائي. لكن هذا الزخم لم يكن حكرًا على «العين المسترقة» البريطاني (7 إبريل) و«سايكو» الأمريكي (8 سبتمبر)، بل كان ظاهرة عالمية امتدت إلى فرنسا، حيث عُرض في 2 مارس فيلم «عيون بلا وجه – Eyes Without a Face»، تحفة الرعب للمخرج جورج فرانجو، وإحدى أوائل الأعمال المؤثرة في حركة «الموجة الفرنسية الجديدة» التي كانت قد اجتاحت عالم عشاق السينما بفيلمي «الـ400 ضربة» لفرانسوا تروفو و«منقطع الأنفاس» لجان لوك جودار في العام السابق.

يقدم «عيون بلا وجه» قصة عالم متغطرس «بيير براسور» يشوّه وجه ابنته في حادث سيارة تسبب فيه، ثم يبدأ في اختطاف شابات من الطبقة العاملة -بمساعدة خادمته المخلصة «أليدا فالي»- في محاولة لزرع وجه جديد لابنته «إديث سكوب». يتضمن الفيلم مشهدًا لعملية استئصال وجه شابة، كان سيُحذف يقينًا في حقبة سابقة، لكنه ما يزال مثالًا مدهشًا على مزج الرقة بالوحشية، ويشكّل أحد أبرز ملامح الفيلم. وتظل مشاهد الابنة الأسيرة، النحيلة والأثيرية بقناعها الأبيض وثوبها الساتاني، وهي تتجوّل كخيال صامت بين المختبر والبناء الحافل بالكلاب الضالة المعدّة للتجارب، من أكثر لقطات الفيلم رسوخًا في الذاكرة.

يجمع «عيون بلا وجه» بين واقعية قاسية في تقديم الاعتلال النفسي والدموية الصادمة والقسوة الباردة، وبين عناصر قوطية مُعاد ابتكارها تعيد صدى الرعب الكلاسيكي الذي بدأت السينما تتجاوزه. هذا المزج كشف عن مسار جديد للرعب، بلغ لحظة ذروته في 1960.

في إيطاليا، ظهر ماريو بافا لأول مرة عام 1960 بفيلم «الأحد الأسود – Black Sunday» (11 أغسطس)، وهو رعب تاريخي عن الاستحواذ الشيطاني وانتقام ساحرة، جعل من باربرا ستيل -في دور مزدوِج- أيقونة رعب فورية. تفتتح لقطات الفيلم بمشهد إحراق الساحرة وإعدامها عبر قناع حديدي مُسمّر يخترق وجهها، معلنًا مستوى جديدًا من العنف السادي وسفك الدم. واصل بافا لاحقًا التجريب في «الجيالو» و«السلاشر»، مؤثرًا في اثنين من كبار مخرجي الرعب الإيطالي، هما داريو أرجينتو ولوسيو فولتشي.

لكن بافا نفسه كان متأثرًا بصعود أفلام «هامر» البريطانية في أواخر الخمسينيات، التي مزجت العنف الفاقع بأناقة بصرية. قدّمت «هامر» نسخًا جديدة لأساطير «دراكولا» و«فرانكنشتاين» و«المومياء» -بعد أن كانت حكرًا على «يونيفرسال» في هوليوود- مع كثير من الدماء والحميمية المتوترة. حقق فيلم «لعنة فرانكنشتاين» (1957) لتيرينس فيشر، بطولة بيتر كوشينج وكريستوفر لي، نجاحًا ضخمًا، أعقبه «دراكولا» و«المومياء» بالفريق ذاته. أما «عرائس دراكولا» (7 يوليو 1960)، فواصل سلالة «هامر» المزدهرة رغم غياب لي خشية «التنميط».

في الولايات المتحدة، تبنّت «أمريكان إنترناشونال بيكتشرز – AIP» هذا الاتجاه القوطي الجديد، وراهنت بميزانية أعلى على اقتباس «سقوط منزل آشر». وتُوّج الرهان بفيلم «منزل آشر» (18 يونيو 1960) من إخراج روجر كورمان وبطولة فينسنت برايس في دور وريث معذّب ومهووس يشتبه في أنه دفن شقيقته حية. حقق الفيلم نجاحًا واسعًا وأطلق سلسلة طويلة من اقتباسات بو، جمعت برايس وممثلين بارزين ارتبطوا بتاريخ الرعب مثل بيتر لوري وبوريس كارلوف وبازل راثبون وراي ميلاند ولون تشاني الابن.

بالتوازي، أنتجت «AIP» خطًّا من أفلام منخفضة الميزانية، مصورة بالأبيض والأسود وبممثلين مغمورين، من بينها «متجر الرعب الصغير – Little Shop of Horrors» (14 سبتمبر 1960) لكورمان، الذي لم يحقق حضورًا عند عرضه، لكنه اكتسب لاحقًا شهرة ككوميديا سوداء عن شاب بائس يطعم نبتة آكلة للبشر من الفضاء. يظهر فيه جاك نيكلسون في دور مبكر كـ«مازوخي» متحمس لطبيب الأسنان. تحوّل الفيلم لاحقًا إلى ظاهرة «كالت»، وألهم مسرحية موسيقية ناجحة في برودواي عام 1982، ثم فيلمًا شهيرًا عام 1986.

في ظل الإنتاج الدولي المشترك الذي ساعد في مواجهة انهيار أنظمة الإستوديو، ظهرت أعمال رعب أمريكية-بريطانية بارزة في أوائل الستينيات، من بينها «قرية الملعونين – Village of the Damned» (7 ديسمبر)، الذي شكل جزءًا من سلسلة رفيعة المقام مثل «الأبرياء» (1961)، و«المطاردة – The Haunting» (1963)، و«المربية» (1965)، و«أطفال الملعونين» (1964)، وهي أفلام جمعت بين الأسلوب الأنيق والجو القوطي المشحون، وبين عناصر صادمة كانت قبل سنوات قليلة موضع رقابة صارمة.

في «المطاردة»، يعود روبرت وايز إلى بيت مسكون كلاسيكي، في تحية لمعلمه فال لوتون، صانع أفلام الرعب الإيحائية، مثل: «أهل القطط»، و«مشيت مع زومبي»، و«رجل النمر». تفادت أفلام لوتون صدمات «أفلام الوحوش» لصالح خوف نفسي مبني على الإيحاء. ويجمع «المطاردة» بين سرد رصين يعتمد على البحث العلمي في الظواهر الخارقة، وتقديم إحدى أوائل الشخصيات «المثلية» في السينما السائدة كخيار مقابل لبطلة تعيش وحدة واضطرابًا نفسيًّا قد يكون سببه المرض أو الأشباح - أو كلاهما.

العائلة والرعب الحديث

تركز السرديات في أفلام مثل «الأبرياء»، و«قرية الملعونين»، و«أطفال الملعونين» في فكرة الأطفال الذين يُصوَّرون ككائنات وحشية داخل أسر معذّبة. هذه الشخصيات كانت ستخضع للرقابة يومًا ما بموجب عبارات غامضة في «قانون الإنتاج»، التي تشدد على «تبجيل العائلة» و«براءة الشباب» و«سلامتهم».

في «قرية الملعونين»، يلعب الممثل لاذع اللسان جورج ساندرز، مرتديًا ربطة عنق «أسكوت»، دور العالم جوردون زيلابي، الذي يعيش في قرية ميدويتش الريفية في إنجلترا، حيث تشهد القرية حدثًا مقلقًا، يفقد جميع السكان وعيهم ليوم كامل. تتعامل الحكومة والجيش مع هذا الحدث كظاهرة من الحرب الباردة، ربما هجوم سوفييتي، إلى أن يُكتشف أن مدنًا حول العالم، بما فيها مدينتان في روسيا، تعرضت لمصير مماثل. وتُوضع مسؤولية مراقبة الظاهرة الغامضة على زيلابي، لتكتشف الأحداث لاحقًا أن كل امرأة قادرة على الإنجاب في ميدويتش، بمن فيهن زوجته أنثيا، التي صارت حاملًا.

بعد ستة أشهر من «الهجوم»، ينمو الأطفال بمعدلات خارقة، بشعر أبيض-أشقر متطابق، وعيون شاحبة غريبة، وذكاء فائق يشمل الإدراك خارج الحواس. ويصبح واضحًا أن هؤلاء الأطفال نصف الفضائيين يخططون للسيطرة على العالم، وأن عمليات القتل التي يرتكبونها بأعينهم الليزرية ضد من يحاول إيقافهم تشكل التهديد الأكبر للقرية، وبشكل خاص لزيلابي، الذي يواجه المعضلة، كيف يمكن القضاء على هؤلاء الأطفال دون أن يدركوا ما يخطط له القرويون؟

قد يستحضر هذا الحلقة الشهيرة من «منطقة الشفق» «Twilight Zone» بعنوان «إنها حياة جيدة – It’s a Good Life»، التي تصور بلدة تحت سيطرة صبي موهوب خارق يستطيع قراءة العقول، ويبعد أي شخص يسيء إليه عن طريق فكرة واحدة، مرسلة إياهم «إلى حقل الذرة». وقد شكلت مسلسلات الرعب التلفزيونية في الخمسينيات والستينيات، مثل «ألفريد هيتشكوك يقدم»، و«منطقة الشفق»، و«الحدود الخارجية – Outer Limits»، عصرًا إبداعيًّا مهمًّا. وقد بُثّت حلقة «إنها حياة جيدة» في 3 نوفمبر 1961، مستندة إلى قصة قصيرة صدرت عام 1953، لتبرز جانبًا من التداعيات الثقافية للحرب العالمية الثانية، بما في ذلك انشغال ملحوظ بـ«الأطفال السيئين» وانحراف الأحداث.

أمثلة بارزة على هذا التوجه في السينما تشمل: «الشباب يركضون بتهور – Youth Runs Wild» (1944)، «الولد السيئ – Bad Boy» (1949)، «صغير جدًّا، سيئ جدًّا – So Young, So Bad» (1950)، «الهمجي – The Wild One» (1953)، «متمرد بلا قضية – Rebel Without a Cause» (1955)، «غابة السبورة – Blackboard Jungle» (1955)، «البذرة السيئة – The Bad Seed» (1956)، «فتاة مدرسة الإصلاح – Reform School Girl» (1957)، «سري جدًّا في المدرسة الثانوية – High School Confidential» (1958)، «هذا الجيل المتمرد – This Rebel Breed» (1960)، و«المتوحشون الصغار – The Young Savages» (1961).

الرعب القوطي يلتقي قتلة العصر الحديث

التوتر الناتج عن الجمع بين الرعب القوطي المُعاد تصوره والرعب الحديث الواقعي أصبح واضحًا في أفلام مثل «سايكو» و«العين المسترقة»، حيث يظهر الشبان الخجولون، المنعزلون، والوحدويون، الذين تنبع دوافعهم القاتلة من منازل طفولتهم القوطية القديمة.

في «سايكو»، يعكس منزل بيتس القوطي استمرار القيم الفيكتورية القمعية والمتحكمة لوالدة نورمان بيتس «أنتوني بيركنز»، ويظل أشهر مبنى في جولات إستوديوهات يونيفرسال. يتصاعد توتر نورمان التلصصي على النساء، محركًا نوبات جنون قاتلة تنبع من «الجانب الأمومي» في شخصيته المنقسمة، وسط النفعية المسطحة والحديثة لموتيل بيتس المكون من طابق واحد.

أما في «العين المسترقة»، فيظهر منزل المصور والمتلصص القاتل مارك لويس «كارل بوم» مختلفًا، فالمنزل يضم غرفًا للإيجار معظمها للآخرين، مع مساحة صغيرة للعيش الشخصي تحتوي على كتب والده التي تتناول تجاربه السادية، وغرفة مظلمة للتحميض وأخرى للعرض، حيث يعرض مارك أفلام قتل صنعها بنفسه، لنساء يقتلهن بكاميرته المثبتة على حامل ثلاثي الأرجل مع سكين.

بحلول عام 1968، أصبح اقتران الرعب القوطي بالرعب الواقعي واضحًا بما يكفي للانتقال من «ما تحت النص» إلى النص المباشر في فيلم «أهداف» «Targets»، أول فيلم روائي طويل لبيتر بوجدانوفيتش من إنتاج روجر كورمان. يطل بوريس كارلوف فيه كشخصية مبنية على نفسه، أيقونة أفلام الرعب القديمة، ليكتشف أن الرعب القوطي الذي قدّمه أصبح قديمًا وغير فعال في عالم يغمره الرعب الواقعي.

في المقابل، يمثل الرعب المعاصر قاتل متسلسل يُدعى بوبي طومسون «تيم أوكيلي»، شاب أمريكي نموذجي يبدو متوافقًا اجتماعيًّا، لكنه ينهار فجأة، يقتل عائلته، وينطلق في فورة إطلاق نار بلا دافع واضح، وصولًا إلى سينما السيارات حيث يُعرض آخر فيلم لبايرون أورلوك، ويطلق النار من خلال الشاشة على الجمهور في سياراتهم. وقد استُلهمت شخصية بوبي طومسون من القاتل الجماعي الواقعي تشارلز ويتمان، الجندي السابق الذي قتل زوجته ووالدته وأطلق النار على سبعة عشر شخصًا في جامعة تكساس، مخلفًا أثرًا شعبيًّا وشهرة بعنوان: «قناص برج تكساس».

ترك ويتمان مذكرة يتأمل فيها مرضه النفسي، معترفًا بعدم فهمه لنفسه، وطلب التبرع بأي أموال متبقية لمؤسسة بحثية في الصحة العقلية لدراسة مصدر أفكاره غير العقلانية ومنع مآسٍ مماثلة. يشبه هذا السعي لفهم الذات ما يعيشه نورمان بيتس في «سايكو»، حين يتحدث بحذر لماريون كرين عن دوافعه النفسية، وما يفعله مارك لويس في «العين المسترقة» باللجوء إلى طبيب نفسي لتحليل دوافع صديقه القهرية.

يمكن إرجاع الأساس لأنواع فرعية معاصرة مثل أفلام ومسلسلات القتلة المتسلسلين، ورعب «التقطيع» «slasher»، و«بورنو التعذيب» «torture porn» إلى التحولات السينمائية التي بدأت في عام 1960. بعيدًا عن تتبع مسار هذه الأفلام، فإن التركيز في سنوات إبداعية محددة مثل 1960 يسمح بفهم الميول الثقافية التي أنتجت انهيار الأنظمة القديمة والنمو المذهل لأشكال جديدة، وهو ما يفيض بإبداع مفاجئ ومتميز.

هذا يجعلنا نتساءل: هل سنرى يومًا أن 2025 كان عامًا مماثلًا؟ بعد خمسة وستين عامًا من الآن -إذا كنا لا نزال هنا- هل سيذكره النقاد كلحظة تحوّل أم كسجل لزمن تتداعى فيه الأنظمة؟ نأمل أن يكون الأول.


[i] نُشر في Jacopin بتاريخ 31 أكتوبر 2025.